المحطة الإيمانيّة التاسعة
قايين وقابيل
الأرشمندريت الياس الدبعي
هل الله، تبارك وتعالى، يستنسب الأمور. هل يحكم على أمرٍ ما بمقياسين مختلفين حسب الأشخاص؟
تُرى لماذا رضيّ الله عن تقدمة هابيل ولم يقبل بتقدمة قايين؟
الكتاب المقدس لا يذكر لماذا رفض الله تقدمة قايين، لكن، مما لا شك فيه أنَّ الموضوع كلّه يتمحور حول السؤال التالي: ماهي معايير الله في القبول والرفض؟
حتماً إنّ المشكلة لا تكمن في نوعيّة التقادم وأهميّتها وثمنها وما إلى ذلك من التصنيفات البشرية. الله لا ينظر كم نعطي فهو غني لا يحتاج لأموالنا، ولكنه ينظر إلى كيف نعطي. وإلا فإننا لا يمكن أن نفهم موضوع "فلس الأرملة" في العهد الجديد. "وتطَلَّعَ يَسوعُ فرَأى الأغنياءَ يُلقُونَ تَبَرُّعاتِهِم في صُندوقِ الهَيكَلِ. ورأى أيضًا أرمَلةً مِسكينةً تُلقي فيهِ دِرهَمينِ، فقالَ: الحقَّ أقولُ لكُم: هذِهِ الأرمَلةُ الفَقيرةُ ألقَت أكثَرَ مِمّا ألقاهُ الآخَرونَ كُلُّهُم. فَهُم ألقَوا في الصُّندوقِ مِنَ الفائِضِ عَنْ حاجاتِهِم. وأمَّا هيَ، فمِنْ حاجَتِها ألقَت كُلَّ ما تَملِكُ لمَعيشَتِها" (لو ٢١: ١-٤).
إذاً ما يهمّ الله ويؤكّد عليه دائماً هو الاستعدادات الداخليّة للشخص المقدِّم. هذا هو القانون العام.
في سفر الأمثال يقول الربّ: "يا بني أعطني قلبك، ولتلاحظ عيناك طرقي" (أم ٢٦:٢٣). باختصار أوّل المشكلة مشكلة قلب مملوء محبة أم قلب مملوء حقد. الأوّل كان يمثل هابيل والثاني يمثله قايين.
هذا الأمر يشرحه أيضاً القدّيس بولس الرسول: "بالإيمانِ قَدَّمَ هابيلُ لله ذَبيحَةً أفضَلَ مِنْ ذَبيحةِ قايينَ، وبالإيمانِ شَهِدَ اللهُ لَه أنَّهُ مِنَ الأبرارِ عِندَما رَضِيَ بِقرابينِهِ، وبالإيمانِ ما زالَ يتكَلَّمُ بَعدَ مَوتِهِ"(عب١١: ٤).
باختصارٍ ثاني: رفَضَ الله قايين بسبب قلّة إيمانه. إذ لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن نتقدم من الرب كرفع عتب. ها نحن نصلّي، ها نحن نصوم، ها نحن نعشّر. السؤال هو: ما هي مفاعيل إيماني بالله؟ وكيف يظهر هذا الإيمان للآخرين؟
باختصارٍ ثالث: الله يريد مشاعر الحب والعطف والبذل. فهناك من يعطي بتذمر أو إكراه أو بتفاخر. الله فاحص القلوب والكلى. ينظر لحال القلب والدوافع والطريقة التي نتصرف بها.
بعد أن رفض الله تقدمة قايين، أعطاه فرصة لإصلاح الخطأ. ولكن قايين رفض. وكلّنا نعلم ماذا فعل بعد ذلك. وكم من قايين لدينا اليوم!!!.
رسالة السماء لنا اليوم: عندما يقول لك أحدهم إنك قد أخطأت، افحص نفسك بأمانة، واختر طريق الله لا طريق قايين. هذا الموضوع على قدر كبير من البساطة يلزمه التواضع فقط.