المسيح
الرَّب مرشدنا الوحيد
الأب
جان حنَّا
"هوذا فتاي الذي اخترته، حبيبي الذي سُرّت به نفسي، عليه أُحل روحي فيبشّر الأمم بالعدل. لا يخاصم ولا يصيح، ولا يسمع أحد صوته في الساحات العامّة، لا يكسر القصبة المرضوضة، ولا يُطفىء الفتيلة المدخَّنة، إلى أن يقود الحق إلى الغلبة. وباسمه تنيط الأمم رجاءها".
(مت٢١: ١٨-٢١).
في
هذا النص الإنجيلي، سمعنا الصفات التي تنبأ بها النبي أشعيا عن يسوع المسيح، هذه
الصفات هي التي جعلت يسوع قوياً، لأن في الضعف تكمن قوَّة الله. في ضُعفِنا يستطيع
الرَّب أن يتسلَّل إلى قلوبنا ليعمل فيها، في ضُعفِنا نستسلم لمشيئة الرَّب ونعمل بها،
لأنَّ الإنسان الضعيف، لا إرادة له.
هذا
الضعف، هو الذي أعمى أعين اليهود، وجعلهم لا يعرفون المسيح. لأنهم كانوا ينتظرون
مسيح ملك، قوي وجبار. ويسوع كان إنساناً فقيراً، متواضعاً ووديع. وفي تواضعه
ووداعته، جذب العالم كلّه إليه.
لا
يُخاصم:
والمسيح أحبَّ جميع الناس، حتى أنه بذل نفسه فِداءً عن جميعِ البشر، ليفتديهم من
لعنةِ الخطيئة.
لا
يصرخ:
ويسوع أثناء آلامه لم يصرخ أبداً، بل تحمَّل الألم بكلِّ طواعيّة، لأنه كان لديه
الإيمان الكامل، والطَّاعة الكاملة، لمشيئة الرَّب. وكان يعرف، أنه لا بد من هذه
الآلام ليتمَّ الخلاص. وكان يعرف أيضاً، أن هذه هي مشيئة الله، وهذا هو مخطَّطَه
الخلاصي لخلاص البشر، فاستسلم لمشيئة الله تعالى.
لا
يسمع أحد صوته في الشوارع: ويسوع، سار مسيرة الآلام بصمت، وكأنه
يقول لنا أنه يجب علينا في مسيرة آلامنا في هذه الحياة، ونحن نحمل صليبنا، أن نسير
بصمت دون أن نتذمر، ودون أن نعترض على مشيئة الله، بل نقبلها بكلِّ طواعيّة، حتى
نصل في النهاية، كما وصل يسوع بتواضعه وطاعته إلى المجد.
قصبة
مرضوضة لا يكسر وفتيلة مدخَّنة لا يُطفئ حتى يقود العدل إلى النصر: يسوع
ناصر المظلومين، وساند الضعفاء، ونشر العدل والسلام في العالم، حتى أنه دعي رسول
المحبّة، والعدل، والسلام. وهذا هو الشيء المطلوب منَّا كمسيحيين، وخصوصاً ونحن
نعيش في هذا العالم المليء بمختلف الشرور، أن ننشر المحبَّة، ليعمَّ العدل والسلام
علينا جميعاً وعلى عائلاتنا.
وفي
النهاية يقول لنا النبي أشعيا وعلى أسمه تعلّق الأمم رجاءها: ويسوع هو رجاءنا
الوحيد، وأملنا الوحيد، وهو مخلصنا الوحيد.
ولد
يسوع المسيح في عالمنا، وعاش على الأرض التي نعيش عليها، وحقّق كل النبوءات التي
تنبّأ بها الأنبياء عنه، ونفّذَ إرادة الله التي أعلنها على لسان الأنبياء.
فتعالوا لنتأمل سويَّةً في حياة السَّيد الرَّب وكلامه، لنا لنرى ما المطلوب منّا
نحن كمسيحيين في هذا العام المظلم، لكي نحقق مشيئة يسوع في حياتنا، كما حقق هو
مشيئة الله الآب.
منذ
ألفي سنة، أرسل الله ملائكته ليعلنوا بشرى الخلاص للعالم بميلاد المخلِّص، ميلاد
السَّيد المسيح، ربُّ المجد، وملك السلام. واليوم، وفي هذا الزَّمن الحاضر، يعلن
لنا من خلال إنجيله المقدَّس، بشرى خلاصه للعالم أجمع، ويعلن لنا أيضاً الانتصار
والغلبة على قوى الشرِّ والخطيئة، مطمئناً إيَّانا بقوله: "لا تخافوا، ها أنا
معكم كل الأيام، حتى انقضاء الدهر"، ويكرّرها لنا /٣٦٥/ مرّة في الإنجيل
المقدَّس، أي مرّة لكلِّ يوم، لكي نبدأ يومنا متكلين على قدرته الإلهيّة، في
تسييّر أمور حياتنا.
واليوم
ومع اقترابنا من عيد الميلاد المجيد، ودخولنا في زمن التحضير لهذا العيد المبارك،
وقرب نهاية العام، ودخولنا في عام جديد، يجب علينا أن ندرك هذه الحقائق الإيمانيّة
والتي من أجلها تجسَّد الرَّب الإله وولد في هذا العالم.
ولد
المسيح، وهو يدعونا وكلِّ واحدٍ منّا باسمهِ الشخصي، ليقول لنا أنا ولدتُ في قلبِ
العالم، فدعني أولدُ في قلبك، لتولد أنت في قلبي من جديد، وتعودَ إليَّ. دعني أملك
على قلبك، لتستطيع أن تنفذ مشيئتي، ومشيئة الآب الذي أرسلني، دعني أملك على قلبك
لأعمل من خلالك، وتظهر عليك وعلى أعمالك أعمال الرَّب المقدَّسة.
ربما
يَسألُ سائل كيف يمكنني أن أولد من جديد في قلبِ يسوع؟ وكيف يمكنني أن أعيش في
قلبهِ المقدَّس؟ وكيف يمكنني أن أعمل مشيئته ومشيئة الله الآب في حياتي؟ ويكون لنا
جواب السَّيد المسيح: "من أراد أن يتبعني فلينكر نفسه أولاً، ومن ثم يحمل
صليبه ويتبعني" (مت١٦: ٢٤)، أي أن يتخلَّى عن إرادته الشخصيّة، لتحل مكانها
إرادة الرَّب المقدَّسة، ولأستطيع أن أجعله يملك على قلبي ويعمل من خلاله. هذا
الإنكار للذات يجعلني أقبل وصيَّته العظيمة لنا وهي: "أن أحبّوا بعضكم بعضاً
كما أنا أحببتكم" وأيضاً "من محبتكم بعضكم لبعض يعرفونكم أنكم
تلاميذي" (يو١٣: ٣٤- ٣٥). هذه المحبّة التي تجعلني قادراً على قبول الآخر في
حياتي، ومسامحته، وصنع الخير معه متمماً وصيته وقوله لي: أن "كلَّ ما تفعلوه
بأحدِ إخوتي هؤلاء الصغار، فبي أنا قد فعلتم" (مت٢٥: ٤٠).
إذن دعوتنا
في هذا العالم هي دعوة للحب. وعيش هذا الحب مع إخوتنا البشر. وترجمة هذا الحب
لأفعال محبَّة، وأعمال رحمة أبادر بها تجاه إخوتنا البشر، لتثمر أعمالنا ثمارها
الصالحة، ونرضي الله في حياتنا، ولنستطيع أن نولد في قلب من ولد في العالم لأجلنا.
الله
من فيض محبَّته خلقنا نحن البشر، ومن فيض محبَّته ولد على الأرض بالطفل الإلهي
يسوع المسيح. ولد ليملأنا من حُبِّهِ الإلهي المقدَّس، ولنتشارك جميعنا وإياه في
هذا الحب المقدَّس.
الله
من فيض محبَّتهِ أتى إلى العالم ليصالحنا بجسده المقدَّس، (لا يخاصم) كما قال لنا
أشعيا النبي، أتى ليصالحنا مع ذاتنا، ونتصالح مع بعضنا البعض، مبددين كلّ حواجز
الخلافات والبغض التي تفصل فيما بيننا، ليعيدنا إليه، ويسكننا معه في ملكوته
السماوي المقدَّس.
نزل
الله على الأرض ليقدّسنا، ويدعونا للتخلي عن الشر، ورفض الشيطان الشرير وكلِّ
أعماله الباطلة. نزل الله، ليدعونا للموت والتخلي عن روح هذا العالم الفاسق بكلِّ
ما فيه من شرور، لتحلَّ مكانها روحه المقدَّسة، لكي تُقَدِّسَنا ونحصل على الخلاصِ
والحياةِ الأبديَّة.
نزل
الله على الأرض تاركاً عرشه السماوي، وأتى إلينا ليشاركنا في حياتنا، ولنشاركه نحن
أيضاً في حياته المقدَّسة وملكه السماوي. أتى ليقول لي ولكلِّ واحدٍ منّا لا تخف
أن تشارك إخوتك البشر بما تظن أنه ملك لك! فأنا الله القدير، نزلت من السماء
لأشاركك أنت بما هو لي! فتخلى عن أنانيتك، وشارك إخوانك البشر بما هو لك، لنكون
جميعنا في حالة شراكة مقدَّسة.
أتى
الرَّب من السماء ليقف معي ويدعوني لأن أقف مع ذاتي، وأفكِّر بكلِّ ما يعيق تقدمي
نحوه. هو، تخلّى عن كلِّ شيء له في السماء ونزل إليَّ، ليدعوني للتخلي عن كلِّ شيء
في هذا العالم، لأصعدَ إليه وأعيش معه في الملكوت.
أتى،
ليغيرنا نحو الأفضل، أتى، لينزع من قلوبنا وأفكارنا الشر الموجود فيها، أتى، ليعطينا
الحياة الأفضل، ولتكون لنا الحياة بوفرة.
"إلى أن يقود الحق إلى الغلبة. وباسمه تنيط الأمم رجاءها"
فبتجسد السَّيد الرَّب أصبح يوجد لدينا المرشد والدليل الذي على أساسه أقيّم
حياتي، وأهذّب نفسي وروحي، لأعدَّها للقاء الله في اليوم الآخر.
بتجسد
السَّيد الرَّب أصبح يوجد لدينا القيامة. التي هي رجاؤنا في هذا العالم. فالمسيح
الإله قام من بين الأموات، وقضى بجسده الإلهي المقدَّس على كلِّ قيود الشر
والخطيئة، وحطَّم بذاته أبواب الجحيم ليمنحنا الحياة الأبديّة.
لا
تخف أيها القطيع الصغير، لا تخف! هذا ما يقوله لنا الرَّب يسوع المسيح، ثق بي إنني
قد غلبت العالم، وسوف أجعلك تغلب العالم بكلِّ ما فيه من شرور وشهوات، وما عليك
إلاَّ أن تسلّمني قلبك لأملك عليه، وأقدّسه، وأنقيه، وأطهّره من كل الشرور
الموجودة فيه، لكي تتمكن من أن تخلع عنك الإنسان القديم، الذي أفسدته شهوات الغرور،
وتلبس الإنسان الجديد المخلوق على صورة الله ومثاله، والمملوء نعمة وقداسة،
ولِتسمَع صوتي المشتهى في نهاية الأزمنة وأنا أقول لك تعالى يا مبارك أبي رث الملك
المعد لك منذ إنشاء العالم.
أخيراً
أدعوكم أحبتي مع اقتراب عيد الميلاد المجيد، ونحن قد شارفنا أيضاً على عتبة العام
الجديد، لأن نلبي نداء الرَّب، ونتخلى عن كلِّ شرور العالم ومغرياته، وندع السَّيد
الرَّب يملك على قلوبنا جميعاً، ونحاول أن نعيش في العام الجديد المحبّة بمحبّته
المقدَّسة، وننشرها في كلِّ العالم من خلال أعمالنا الصالحة، التي نقوم بها تجاه
إخوتنا، ليعرف العالم أننا تلاميذ السَّيد، وليعمَّ في العالم روح المحبّة
والتسامح، بقبولنا بعضنا لبعض، مبددين كلّ عوامل الشر، ليعمَّ السلام في العالم
أجمع وتعود الطمأنينة، والأمن، والأمان، إلى نفوس وقلوب البشر، ولنحصل على الخلاص،
ونحظى بسماع صوته المشتهى وهو يقول لنا: "تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملك
المعد لكم منذ إنشاء العالم"، بنعمة الآب والابن والروح القدس الإله الواحد.
آمين.