من هي سوريا
ومن هم السوريون
بقلم الدكتور اليان مسعد
بين الفينة والاخرى وبلقاءتنا السياسية والثقافية والاعلامية يفاجئك بعض من لم تتصور ولم يدر بخلدك يوما انهم لم يجيبوا عن هذا السؤال وهو ام كل الاسئلة والأول للبدء بكل عمل ذو قيمة الا وهو ماهي هوية سوريا ومن هم السوريون ولهؤلاء الذين يهتابون ولا يريدون الوصول للجواب لأنه غير مناسب لهم اقول جازما كما قال المعز الفاطمي لمن سأله عن حسبه ونسبه فأجاب هذا حسبي وهذا نسبي
-تعتبر سوريا، تاريخياً، واحدة من أقدم الحضارات التي مرت على العالم. ففي هذا الإقليم عرفت البشرية بدايات تلمسها للاجتماع والزراعة وللمعرفة. وقد تطورت سوريا عبر الزمان حتى وصل نفوذ الآراميين السوريين شرقاً حتى الصين واسبانيا والهند، وامتد نفوذ الفينيقيين، سكان البحر السوري، إلى كل المتوسط.
في بيئة سوريا الآرامية ظهرت وتبلورت الديانتان اليهودية والمسيحية. ففي سوريا، وتحديداً تادف قرب حلب كتبت التوراة بنصها الذي نعرفه اليوم على يد عزرا الكاهن، واعتقادنا إن اليهود لم يكونوا غير آراميين سكنوا جبال فلسطين وكانت سمة البداوة واضحة عليهم، وعبدوا إلها خاصاً اسمه يهوه وكل التركيبة الانعزالية اللاحقة سببها السبي البابلي وفي الجنوب السوري تواجد الناصريون النصارى (وهم طائفة منشقة غير المسيحيين الحاليين بالطبع) الذين اثروا بالعرب المسلمين الاوائل كما أن المسيحية ظهرت كتسمية للمرة الأولى في أنطاكية السورية. وسوريا صدرت المبشرين المسيحيين لكل انحاء العالم وغززت روما وفي قرون المسيحية الخمسة الأولى كانت سوريا لاهوتياً هي معيار القيم الروحية كما هي ألمانيا في قرون المسيحية الخمسة الأخيرة: في سوريا ظهرت كل التيارات المسيحية المعروفة-المونوتيلية والمونوفيزية والنسطورية وأساطين الخلقيدونية -. عندما جاء العرب إلى سوريا كانوا والإسلام حضاريا أقرب إلى الثقافة الرعوية القمرية لكنهم في سوريا بدأوا يتلمسون أولى خطواتهم باتجاه الحضارة. وهكذا، من دمشق معاوية وخلفائه وحلفاءه السوريون وصلت قواتهم حتى إسبانيا وفرنسا. وفي سوريا بقنسيرين كان ابتكار الارقام السورية المعروفة والمكتوبة (123456789) واختراع الخط العربي بالأنبار وتنقيط وترتيب القرآن وبداية كتابة التاريخ الإسلامي الزاهر وباختصار من سوريا خرجت طلائع الحضارة العربية والإسلامية.
هذا التاريخ الضارب في القدم، العميق في تنوعه، الغريب في تعدديته، قدّم لنا وطناً فريداً من نوعه في العالم كلّه. لكن سوريا لم تعرف يوماً ذاتها لان بعض ابنائها لا يريدون ان يتصالحوا معها ومع تاريخها وحضارتها. حتى اليوم ما نزال نتنازع في مسألة الهوية السورية فمنهم من قلصها حتى الحدود المتعارف عليها ما بعد الانتداب الفرنسي، ومنهم من وسعها عبر القومية العربية لتمتد من المحيط إلى الخليج، ومنهم من وقف في الوسط فقال بحدودها الطبيعية التي تعني الهلال الخصيب. ومع ذلك فسوريا هي سوريا والشعب السوري له تلك الخصوصية كحامل حقيقي لتراث معرفي لا يسبر غور قدمه. الشعب السوري هو وريث حضارة سومر وبابل وأشور وآرام وكنعان والشعب السوري هو من قدم للهلينية اليونانية كوكبة من أهم مفكريها والشعب السوري هو الذي قدّم الرسل والمبشرين والجنرالات والأباطرة لروما والقديسين والباباوات للفاتيكان والشعب السوري هو من استقبل عرب الجزيرة وامتزج بهم فأمد الإسلام بأهم طلائع مفكريه والشعب السوري هو هذا المزيج كله وأي اختزال لعنصر من هذه العناصر التكوينية، كما حاول بعضهم أن يفعل، هو تشويه للهوية السورية.
فهل اجبت عن السؤال في مسالة سوريا والهوية السورية ام لم تحز الاجابة على ما أضمروا من المبتغى.