"الميلاد"
"بدء لزمن ماضٍ ومقياس لزمن حاضر"
المطران نقولا أنتيبا
الميلاد بالنسبة الى التاريخ الزمني البشري هو نقطة انطلاق، غير أننا نتساءل ما معناه بالنسبة الى الله، وبما فعله من أجلنا ومن أجل خلاصنا نحن المؤمنين.إنّ تاريخ الله – معنا، هو تاريخ التعاطف مع البشر، لأنّ الله الخالق، وهو المحبّ، لم يرضَ أن يتنعّم بالوجود لوحده. فكان الخلقُ عملاً منبثقًا عن محبته الإلهية، وشاءت هذه المحبة أن نكون في الوجود. معنى ذلك كله، أنّ الله بفعله لم ينفكّ أن يعتني بنا ويتطلّع إلينا ويتحنن علينا. ويقول الرسول بولس "لمّا حان ملء الزمن"، أتى إلينا هو بالذات.
هذا هو الميلاد: مجيء الله بالذات إلينا. فالأرض أضحت سماء، والآن نعيّد على الأرض.
إنّ الطفل الذي يولد اليوم، لا يولد ليأكل ويشرب ويتعلّم فحسب، بل يولد ليتألم ويُصلب ويموت فدية عنا نحن أحباءه. هذه هي عملية الارتفاع البشري بفعل التنازل الإلهي! أجل، تنازل المسيح لكي يُعيد صورة الله ومثاله في الإنسان ويرفعه من البشرية الى الألوهية.
كيف يكون الميلاد نقطة مركزية لحياتنا ومقياسًا لتصرفاتنا تجاه الآخرين؟
يطلب الله إلينا اليوم، في الميلاد، أن نبادله المحبة من خلال "إخوته الصغار" كما جاء في الانجيل. المحبة لله تتعادل مع المحبة لكل من يحبّ الله، أي الذي يقف بجانبنا في الكنيسة، أو الذي نمرّ به في الشارع، أو الذي لم نحيّيه منذ أسابيع. إذًا علينا أن ننفتح لأخوتنا ونرحّب بهم في قلوبنا كما فعل ذلك المسيح في الميلاد. لا ننسى أنّ المسيح هو الذي تنازل وأحبنا ورفعنا! فلماذا لا اتنازل أنا للآخر؟ أين الذي يتواضع ويحبّ جاره؟ أين الذي يطلب المسامحة من قريبه؟ أين الذي يرفع من شأن قريبه ولا يذلّ به؟ إنجيلنا ليس بشارة كراهية وحقد وبغض وظلم وانتقام ومعسكرات حرب! إنجيلنا هو بشارة سلام ورحمة ومسامحة وتعاون وتعاضد وبناء ومحبة. اليوم، الميلاد، يوم المحبة وعيدها العظيم. قد يقول قائل: أنا لا أستحق كل ذلك الحبّ! غير أنّ الله قدّم لنا محبته مجّانًا وبالرغم من عدم استحقاقنا.
لن يكون الميلاد بدء تاريخ داخلي إلاّ إذا اتخذناه بداية لمحبةِ من نكْره، ولاحترامِ من نحتقر، وللاقتراب ممن كان بعيدًا عنّا. ولن يُضحي الميلاد بدء تاريخ "بالفعل"، يبدأ الآن وليس غدًا، إلاّ إذا قمنا بما نقترحه. وإلاّ فالميلاد كلام بكلام، وصلاتنا فقاقيع كلمات، ومسيحيتنا لغو وحشو!