كيف نقدّس يوم الربّ؟
بقلم الأب علم الياس علم
"لكلّ شيء وقت ومحلّ". كم من مرّة سمعنا هذا القول في أيّام الطّفولة، لا سيّما عندما كنّا على وشك أن نفعل ما لا يوافق عليه الأهل. ولعلّنا كرّرناه بدورنا لتربية أطفالنا. انّ هذه الحكمة التي كثيرًا ما يستهين بها الأولاد يمكن تطبيقها على ما نعرفه من سيرة الشّعب العبريّ في العهد القديم، أو بالحريّ على ما نعرفه من تاريخ البشريّة جمعاء. فقد جاء في سِفر الجامعة "هنالك وقت للميلاد ووقت للممات" (٣: ١-١٥)، أوليس هنالك أيضًا وقت مخصَّص للربّ؟ فالوصيّة الرّابعة من الوصايا العشر التي بلّغها موسى الشّعبَ العبريّ تقول: "في ستّة أيام تعمل وتصنع أعمالك كلّها.
واليوم السابع سبت للربّ إلهك، فلا تصنع فيه عملا أنت وابنك وابنتك وخادمك وخادمتك". (خروج ٢٠: ٩-١٠). لذا يوم السبت هو يوم الرّاحة عند اليهود لأن الربّ ذاته استراح فيه بعد فراغه من خلق الكون كما ورد في سفر التّكوين (٣١:١) وكان السبت مخصّصًا لتمجيد الخالق والإشادة بعمل يديه.
الخَلق الجديد
غير أنّ السيّد المسيح غيّر مفهوم السّبت، إذْ عمل فيه: فقد علّم وشفى وصنع الخير في السّبت. وبذلك خرق حرمة الشّريعة في نظر اليهود الذين كانوا يتمسّكون بالحرف فناصبه قادتهم العداء. وقال بعض الفرّيسيّين: "هذا الرّجل ليس من الله لأنّه لا يحفظ السّبت" (يوحنا ٩: ١٦). والواقع أنّ السيّد المسيح بدأ خلقًا جديدًا، لأنّه أثبت بقيامته أن الله لم يكفّ عن العمَل ليستريح. وهكذا شرع المسيحيّون الأوائل يستبدلون السبت باليوم الأوّل من الأسبوع، ويحتفلون بيوم الأحد، يوم الربّ، يوم قيامة المسيح، "اليوم الذي صنعه الربّ". فأصبح الأحد اليوم الذي يجتمع فيه المسيحّيون للعبادة والتّعليم المسيحيّ والتّواصل الاجتماعيّ. وبذلك فَقَدَ السبت مكانته كيوم الاحتفال بالخلق الأوّل، وصار يشغل المرتبة الثّانية، تاركًا المنزلة الأولى ليوم الربّ، يوم الاحتفال بالخَلق الجديد.
التّقليد الشّرقيّ
انّ التقليد الشّرقيّ لا يزال يحترم السّبت، إذْ نحتفل فيه بالقدّاس الإلهي مرنّمين بنشيد تكريميّ للخلق الأول جاء فيه:
أَيُّها الرَّبُّ البارئُ الخليقة. إِنَّ المسكونةَ تُقدِّمُ لكَ كَبواكيرِ الطَّبيعة. الشُّهداءَ اللابِسي الله. فبتضرُّعاتِهمِ احفظْ كَنيستَكَ في سلامٍ دائم. من أَجلِ والدةِ الإِله. يا جزيلَ الرَّحمة (النّشيد الختاميّ ليوم السّبت.) ولعلّ احترام الكنائس الشّرقية ليوم السّبت هو الذي حملها على اعتبار يوم الأحد مخصّصًا بالدّرجة الأولى للعبادة، لا للرّاحة، أي انّنا نقفه لله وللخدمات الدينيّة. أمّا اليوم فقد اعتدنا أن تكون العبادة في الأحد مختصرة إلى حدّ أدنى، أي حضور قدّاس مقتضب بقدر المستطاع. وكثيرًا ما نفضّل حضور القدّاس مساء السبت "للتخلّص منه" بأسرع ما يمكن والتفرّغ لما نشاء يوم الأحد. وهذا أبعد ما يكون عمّا اعتاده المسيحيّون الأوائل الذين كانوا يمضون اللّيلة الفاصلة بين السّبت والأحد في العبادة (أعمال الرّسل ٢٠: ٧-١٢).
ومن العسير أيضًا التّوفيق بين تلك العبادة العريقة وما نقوم به حاليا من عبادة يوم الأحد في الكنائس الشرقيّة، إذ نعتبر القدّاس الإلهي ذروة عبادتنا. غير أن التّقليد الشرقيّ يبدأ في صباح الأحد بذكر قيامة الربّ، وإقامة خدمة السّحَر التي تبلغ ذروتها في الاحتفال بالقدّاس الإلهي حيث يحضر الربّ بين جماعة المؤمنين في الافخارستيّا (القربان المقدّس) وبعد ذلك درجت العادة أن يلتقي المؤمنون في قاعة الكنيسة ليتمتّعوا بالتّواصل الأخويّ في حضور الربّ.
المنهج المقترَح
من الواضح أن كنائس الشرقيّة تحثّنا على أن نعطي الربّ أكثر من ساعة في اليوم المخصّص لعبادته. ولا تقتصر عبادتنا على الوقت الذي نمضيه في حضور الخدمات الدّينيّة. فما المانع من أن تشمل "الراحةُ والاستجمام" تلاوةَ صلوات شخصيّة وقراءات روحيّة وتنظيم نشاطات اجتماعيّة خيريّة وزيارة المرضى أو الـمُقعَدين؟ ذلك خليق بأن يدخل في تقديس يوم الربّ. أمّا مساء السبت فهو وقتُ توقّع واستعداد للأحد. وأفضل ما يمكن عمله حضور صلاة الغروب والاعتراف والتأمّل في نصّ من الكتاب المقدّس، لا سيما قراءات الأحد او تلاوة صلوات الاستعداد إلى تناول القربان المقدّس، إلى غير ذلك ممّا يسهُل القيام به في المنزل مع أفراد الأُسرة أو على انفراد. وهكذا تتأهّب نفوسنا لاستقبال ملك الكلّ متى يبدأ يومه.
وغالبًا ما تقام في الكنائس خدمة السّحَر والسّاعات. وإلاّ فيمكن تلاوتها في المنازل والاستماع إلى ترانيم دينيّة مسجَّلة أو مُذاعة، تقديسًا ليوم الربّ.
وعقب القدّاس الإلهيّ، يتناول كثير من المؤمنين الطّعام معًا في اجتماع أخويّ تسوده المحبّة التي جمعتهم حول المائدة المقدّسة. وبدلا من أن نُمضي باقي النهار أمام التّلفاز أو حول طاولة الزَّهر، لماذا لا نقوم بزيارة إخوتنا العجزة أو الأصدقاء الذين لا يستطيعون مغادرة المنزل، أو نرشد الشّبيبة أو نساهم في بعض الأنشطة المسيحيّة كالخروج في نزهة عائليّة مصطحبين جارًا يعيش وحده في عزلة اجتماعيّة مريرة. انّنا بمثل هذه الأنشطة نقتفي خُطا السيّد المسيح الذي كان يشفي المرضى يوم السبت.
وأعمال الخير التي يمكننا القيام بها يوم الأحد لا حصر لها، إذا كنّا نحبّ الربّ بكلّ قلبنا ونريد تكريمه في اليوم المخصّص له. كل ذلك يتطلّب "السّباحة عكس التيّار" ومكافحة الانسياق وراء العمل يوم الأحد كسائر أيام الأسبوع. وهذا واجب علينا نحن الذين "اعتمدنا بالروح القدس وخُتمنا به وامتلأنا من نوره وتقدّسنا به" كما ورد في خدمة المعموديّة. وهكذا نجد فرحنا – خلافًا لمن لا يؤمن – في مَن هو مصدر حياتنا.
"لا تتشبّهوا بهذا العالم، بل تحوّلوا إلى صورة أخرى بتجديد عقلكم، لكي يتهيّأ لكم أن تميّزوا ما مشيئة الله، وما هو صالح، وما يرضيه، وما هو كامل" (رومة ١٢: ٢).
إذا احترمنا يوم الرب من كل قلوينا، فإننا نُثبت حقًّا أننا نُوْدِعه حياتنا وأننا على استعداد لأن "نلبس الانسان الجديد الذي خُلق على مثال الله في البِرّ والقداسة." (أفسس ٤: ٢٤)
وفيما يلي بعض ما جاء في أقدم المصادر المسيحيّة عن تقديس يوم الربّ:
في يوم الربّ تجمّعوا لتكسروا الخبز وتتناولوا. لكن أوّلا اعترفوا بخطاياكم لتكون تقدمتكم طاهرة (تعليم الاثني عشر -تمّ تأليفه ما بين ١٤ و٧٠ من القرن الميلادي الأوّل)
وقرّر الرسل أيضّا ما يلي: "تقام الخدمة في اليوم الأوّل من الأسبوع ويُقرأ مقطع من الكتاب المقدّس وتُقَرّب التقادم، لأنّه في اليوم الأوّل من الأسبوع قام ربّنا من بين الأموات... وفي اليوم الأوّل من الأسبوع سيظهر في اليوم الأخير مع ملائكة السّماء؟"
(تعليم الرّسل - يعود إلى مطلع القرن الثالث)
في يوم قيامة الربّ، وهو يوم الربّ، تجمّعوا بنشاط وارفعوا التّمجيد إلى الله الذي صنع الكون بيسوع، ثمّ أرسله إلينا وتنازل فتركه يتألّم، وأقامه من بين الأموات. فما العذر الذي سيقدّمه للربّ، الشّخص الذي لا يشارك في الاجتماع ليستمع إلى الكلام الخلاصيّ عن يوم القيامة؟ وهو اليوم الذي نصلّي فيه ثلاث مرّات وقوفًا، تكريمًا للذي قام في اليوم الثّالث، فحقّق أقوال الأنبياء، وأمر بالتّبشير بالإنجيل، وبتقديم القرابين، نعمةِ الغذاء المقدّس. (المراسم الرّسوليّة ٢، ٧: ٥٩. وهي تعود إلى سنة ٤٠٠ م)
الأصل الانكليزي:
Source: https://melkite.org/wp-content/uploads/٢٠١٢/٠٨/Lords_Day.pdf