الإلهام والوحي
في العهد القديم وفي العهد الجديد
يسوع هو قمة الظهور الإلهي وهو الذي أتمم كل ما جاء قبله، كما أنَّه يذكِّرنا بالكتب المقدَّسة. ولكن بدءًا من يسوع ينتهي أي انتظار للوحي الإلهي، ويكون انتظارنا هو لفهم الوحي الذي ظهر بيسوع.
أولًا- العهد القديم في العهد الجديد:
كل مضمون العهد القديم موجود في العهد الجديد، والكنيسة توضِّح لنا الأمور والأسباب الرئيسية لفهم العهد القديم، كما تذكِّرنا بقول يسوع المسيح: "جئت لأكمِّل لا لأنقض"، فيسوع رجع إلى العهد القديم وأكمله وأكَّد على أهميته. إذًا يسوع أكمل العهد القديم ولكنه عمل معه كسرًا "السبت للإنسان لا الإنسان للسبت"، كما أنَّه حافظ على شريعة تقديم النهار للرب، وبعد ذلك صحَّح التعليم الخاطئ لهذا المفهوم، وبعد ذلك أكَّد العهد القديم، وأخيرًا قام بإكمال العهد القديم؛ ولذلك، نلاحظ الكنيسة في مسيرة دائمة. والإنجيليون والرسل الذين كتبوا أكَّدوا لنا هذه النقطة "كما يقول الكتاب"، "لتتمَّ الآية"، وفي العهد الجديد لدينا ١٥٠ مرَّة واستشهاد مباشر من العهد القديم؛
وهناك أيضًا استشهادات غير مباشرة، وإشارات تخبرنا عن حوادث جرت في العهد القديم. (مز١٠٩ أو ١١٠)، (مر١٢/٣٦)، (متى١/٢٢)، (متى٢/١٥)، (مر١/٢)، (لو٣/٤)، (متى٣/٣)، (أعمال١/١٦)، (رو١/١…)، (عبر١٠/١٥). هذه الآيات والإستشهادات ترينا أنَّ كلمة الله معبَّرٌ عنها بلسانٍ بشري بعمل الروح القدس.
(١تيم٣/١٦): "ولا خلاف أنَّ سرَّ التقوى عظيم: قد أُظهر بشرًا وبُرَّ في الروح وتراءى للملائكة وبُشِّر به عند الوثنيين وأُومن به في العالم ورُفِعَ في المجد"، ترينا هذه الآية أنَّ كل الكتاب المقدَّس هو بفعل الروح القدس. (٢تيم٣/١٤-١٥): "وأحضر كذلك الكتب وخصوصًا صحف الرِّق. لأنَّ الإسكندر النحَّاس قد أساء إليَّ كثيرًا، وسيَجْزيه الربُّ على ما قدَّمت يده، فاحترس أنت أيضًا منه". ترينا هذه الآية أنَّ الكتاب المقدَّس كتب بحكمة من الله، ويُفسَّر بحكمة من الله. (٢بطرس١/٢٠-٢١): "واعلموا قبل كلِّ شيء أنَّه ما من نبوءة في الكتاب تقبل تفسيرًا يأتي به أحدٌ من عنده، إذ لم تأتِ نبوءةٌ قطُّ بإرادة بشر، ولكنَّ الروح القدس حمل بعض الناس على أن يتكلَّموا من قِبَلِ الله". ترينا هاتين الآيتين وجود مفسِّر وكاتب وملهم من الروح القدس. فهذه الإستشهادات بأجمعها ترينا أهمية العهد القديم، وأنَّ كل شيء تمَّ كان بفعل الروح القدس.
ثانيًا- القيمة الثابتة للعهد القديم
(٢تيم٣/١٦): "فكلُّ ما كتب هو من وحي الله، يفيد في التعليم والتنفيذ والتقويم والتأديب في البر". (لو٧/١٧-٢١): "وانتشر هذا الكلام في شأنه في اليهودية كلِّها، وفي جميع النواحي المجاورة…". (يو٥/٣٩): "تتصفَّحون الكتب، وتظنُّون أنَّ لكم فيها الحياة الأبدية فهي التي تشهد لي". (لو٢٤/٢٥-٢٧)، (لو٢٤/٤٤-٤٧).
كل الكتاب المقدَّس هو بإلهام مقدَّس ومن وحي الله، وكان هم الكاتب أن يوصل كلمة الله ورسالته إلى الشعب دون أية نوايا أخرى، ولذلك نلاحظ أنَّ أسلوب الكاتب كان بسيطًا وشعبيًا.
ثالثًا- كتابة العهد الجديد:
في بداية الأمر كانت البشارة تتناقل شفهيًا، وبعد ذلك استعملت الكتابة. فالرسل انطلقوا من القيامة وبشَّروا بها، وبعد ذلك عادوا إلى الوراء، إلى حياة يسوع المسيح وتعاليمه. ويُقال أنَّ أولى الوثائق التي كتبت، كانت تتحدَّث عن حدث القيامة والآلام؛ ومن ثمَّ كُتبت الوثائق التي تتحدَّث عن حياة يسوع وأعماله وتعاليمه؛ فالبشرى الأساسية والرئيسية هي بشرى القيامة. وأول من كتب كان القديس بولس الرسول لأنَّه أراد تبشير الأمم، فبولس هو أول من نقل التقليد الشفهي إلى التقليد الكتابي.
رابعًا- عصمة (حقيقة) الكتاب المقدَّس:
ابتدأت مشكلة العصمة مع مشكلة التفسير، وكلمة عصمة لا تنطبق أساسًا على الكتاب بل تنطبق على الإعلان الذي يصدره البابا عقائديًا وأخلاقيًا. فبدلًا أن نقول: عصمة الكتاب المقدَّس نقول حقيقة الكتاب المقدَّس، فالكتاب المقدَّس صحيح ولا شكَّ في صحته، وهو حقيقي لسببين:
١-نيَّة الكاتب: الإلهام. ٢-المضمون: الوحي.
- أما العوامل المساعدة فهي: اللغة، البيئة، الظروف…فالإنطلاقة بالتفسير من النيَّة والمضمون تتمُّ بمساعدة العوامل الأخرى. العصمة تعني الحقيقة الخلاصية "الله تكلَّم لأجل خلاصنا" وهذا ما يؤكِّده المجمع الفاتيكاني الثاني.