عدد الزيارات : 2078
غبطة السيّد البطريرك غريغوريوس الثالث لحام الكلّي الطوبى > رسائل صاحب الغبطة 5 كانون ثاني 2016

رسالة صاحب الغبطة

البطريرك غريغوريوس الثَّالث

بمناسبة عيد الميلاد المجيد

٢٥ كانون الأوّل ٢٠١٥

 

من غريغوريوسَ عبدِ يسوعَ المسيح

برحمةِ الله تعالى

بطريرك أنطاكية وسائر المشرق

والإسكندريّة وأورشليم

إلى الإخوة السَّادة المطارنة، أعضاء المجمع المقدَّس الموقَّرين

وسائر أبنائنا وبناتنا بالمسيحِ يسوع، إكليروسًا وشعبًا،

المدعوِّين قدِّيسين، مع جميع الذين يَدعُون باسم ربِّنا يسوع المسيح، ربِّهم وربِّنا
نعمةٌ لكم وسلامٌ من الله أبينا، والرَّبِّ يسوع المسيح (اكور: ١-٣).

 

"إنّي أُبشِّركُم بفرحٍ عظيمٍ"

"لقد وُلِدَ لكم اليوم مخلِّص هو المسيح الربّ" (لوقا ١٠:٢-١١)

عيد ميلاد السيد المسيح بحسب الجسد ٢٥ كانون الأول ٢٠١٥

 

"إنّي أُبشِّركُم بفرحٍ عظيمٍ"

"لقد ولد لكم اليوم مخلِّص هو المسيح الربّ" (لوقا ١٠:٢-١١)

بهذه الآية يبدأ الإنجيل المقدَّس. إنَّه بشرى يسوع للناس، كلّ الناس، لهذا العالم، الذي هو عالم الله.

الإنجيل يعني بشرى صالحة، جميلة، محبَّبة، فرحة، مبهجة، معزِّية، قويَّة، شافية، سامية، قريبة إلى كلّ إنسان.

بالبشرى! بالإنجيل! بالفرح! هكذا يبدأ إنجيل ربنا وإلهنا ومخلِّصنا يسوع المسيح. وهكذا تبدأ المسيحيَّة. وهكذا يبدأ إيماننا المسيحي المقدَّس.

هذا هو عيد الميلاد المجيد. في هذا العيد، وفي هذا العام نسمع من جديد ملاك الميلاد في الليلة الظلماء، في حقول بيت ساحور وبيت لحم، وفي كلّ أرجاء العالم، نسمع من جديد صوت الملاك يبشِّرنا كلّنا بدون استثناء، ويبشِّر بنوعٍ خاصٍّ كلَّ من تصله هذه الرسالة: إنَّني أبشِّركم بفرحٍ عظيم. إنَّني أحمل لكم إنجيلاً. هو إنجيل الفرح. هذا الفرح هو يسوع نفسه، المخلِّص، المسيح الرّبّ، الفادي، الصديق، الإله المحبّ البشر، الكثير المراحم، المحبّ الصدِّيقين والراحم الخطأة، والداعي الكلّ إلى الخلاص بموعدِ الخيرات المنتظرة.

اليوم أكثر من أي يوم مضى، يحتاج عالمنا، نحن نحتاج، تحتاج عائلاتنا، تحتاج بلادنا... يحتاج كلّ إنسان معذَّب، خائف، متشكِّك، جائع، عطشان، نازح، مريض، يائس، يحتاج إلى الفرح! ولهذا السبب اخترت هذا العنوان لرسالة الميلاد في العام الخامس لدرب صليب بلادنا العربيَّة، لاسيَّما سورية.

عالمنا العربي، كنائسنا، جماعاتنا، بطاركتنا، مطارنتنا، كهنتنا، شمامستنا، رهباننا، راهباتنا، وأبناء رعايانا وبناتها، مواطنونا، العالم بأسره... كلّهم يحتاجون إلى هذا الفرح الذي يبشِّر به ملاك عيد الميلاد المجيد: "إنّي أبشِّركم بفرحٍ عظيم"!

بهذه البشرى ومن خلال هذه الرسالة نتوجَّه إلى جميع كنيستنا الروميَّة الملكيَّة الكاثوليكيَّة، رعاة وإكليروسًا، وشعبًا... لا بل نتوجَّه إلى جميع الناس، وإلى كلّ من يقرأ هذه الرسالة، نتوجَّه بهذه البشرى لكي نبعث في قلب الجميع فرحًا جديدًا، هو فرح الإنجيل، فرح الربّ يسوع المخلِّص، الطفل الجديد، والإله الذي قبل الدهور.

هذا ما دعانا إليه قداسة البابا فرنسيس في الإرشاد الرسولي "فرح الإنجيل" (عام ٢٠١٣)، قائلاً: "فرح الإنجيل يملأ قلب وكلّ حياة جميع الذين يلتقون يسوع. أولئك الذين ينقادون له، يحرِّرهم من الخطيئة والحزن والفراغ الداخلي والعزلة. مع يسوع المسيح يولد الفرح ويولد دائمًا من جديد" (فرح الإنجيل ١).

بشرى الميلاد "إنَّني أبشِّركم بفرحٍ عظيم"، هي صدى لما ورد في كتب العهد القديم، لا بل هي البشرى التي انتظرتها الأجيال والتي تحقَّقت بميلاد المسيح ونقلتها إلينا كتب العهد الجديد.
الفرح في التوراة العهد مع الله في تاريخ شعب العهد القديم، هو عهد فرح! هو عيد! وهو التعبير الأصدق عن الإخلاص!

وهذه بعض الآيات من بعض الأسفار التي تشير إلى فرح الشعب بالخلاص الآتي من الله. (آيات مختارة في الملحق)

الفرح في العهد الجديد

الإنجيل هو بشرى الفرح. وهنا أيضًا نريد أن نسرد الآيات التي تدعو إلى الفرح. فلا إيمان بالمسيح بدون الفرح بالمسيح. ميلاده هو ميلاد الفرح: إنَّني أبشِّركم بفرحٍ عظيم! وُلِدَ لكم مَخلِّص! هو المسيح الرَّبّ.

وهذه بعض الآيات الواردة في الإنجيل حول الفرح (راجعها في الملحق)

الفرح في رسائل الرسل

القدّيس بولس هو رسول الفرح. ومن أقواله الكثيرة: "إنَّني أفيض بالفرح في مضايقي" (٢كور ٧، ٤). وهذا هو لسان حالنا كلّنا وهذا هو السبب الذي من أجله اخترت موضوع هذه الرسالة، بالرغم من الظروف المأساويَّة الدامية المفجعة، المحزنة، التي تمرّ بها بلادنا ونمرّ بها كلّنا...
ومن أقواله الجميلة: "إفرحوا بالربّ كلّ حين. وأقول أيضًا إفرحوا! ليكن حلمكم معروف عند جميع الناس. الربّ قريب! لا تهتموا بشيء بل في كلّ شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر لتُعلم طلباتُكم لدى الله. وسلام الله الذي يفوق كلَّ عقل يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع" (فيليبي ٤:٤-٧). (المزيد من الآيات في الملحق)

الفرح في كتب الصلوات اليوميَّة

أستعرض هنا بعض الآيات في الصلوات اليوميَّة، أو ما نسمِّيه السواعية. صلواتنا دعوة دائمة إلى الفرح. ولذا يمكننا أن نقول: من يصلِّي يفرح! فلا صلاة بلا فرح. ولا فرح بلا صلاة!
"يُبصرُني الذينَ يتَّقونكَ فيفرحون. لأَني رجوتُ أَقوالَكَ" (المزمور ١١٨)
"إِليكِ أنتِ السورَ المنيعَ وحِصنَ الخلاص. نبتهلُ يا والدةَ الإلهِ العذراء. فأَبطِلي مُؤَامرَات الأعداء. وحَوِّلي حزنَ شعبِكِ إلى فرح. وأَنعِشي عالمكِ. وأَيِّدي المتَّقين. وﭐشْفعي في سَلامِ العالم. لأَنكِ أنتِ. يا والدةَ الإله. رجاؤُنا"

"وليَفرَحِ الصدّيقون. ليبتَهِجوا أمامَ الله. ليطرَبوا سُرورًا"(المزمور ٦٧)
"ليبتَهجْبكَ جميعُ مُلتَمِسيكَ يا الله ويفرَحُوا. وليَقُلْ في كلِّ حينٍ مُحبُّو خلاصِكَ: تعَظَّمَ الربّ" (المزمور ٦٩)

"وأَمَّا الملكُ فيفرحُ بالله. وكلُّ مَن يَحلِفُ به يُمتدَح. لأَنَّ أفواهَ الناطقينَ بالجَور تُسَدّ" (المزمور ٦٢)

"هَلُمُّوا يا جميعَ المُؤمنين. نَسجُدْ لِقيامةِ المسيحِ المقدَّسَة. فهُوَذا الفرحُ قد شَمِلَ العالَمَ كُلَّهُ بالصليب"

"يا عُذوبةَ الملائكة. وفرَحَ الذينَ في الضِّيق. ونصيرةَ المسيحيِّين. يا أُمَّ الربِّ البتول. أعضُدِيني وأنقِذيني من العذاباتِ الأبديّة"

آيات آخر السحر (الأبوستيخن): "إمْلأنا بالغداةِ من رحمتِكَ يا ربّ. فنَبتَهِجَ ونفرَحَ في كُلِّ أَيَّامِنا. فرِّحْنا بدَلَ الأَيَّامِ التي عَنَّيتَنا فيها. والسِّنينَ التي رأينا فيها المَسَاوئ. لِيَظهَرْ صُنعُكَ لعبيدِكَ ومجدُكَ لِبنِيهِم."

"يا مَن رُفِعَ على الصَّليبِ طَوعًا. أَيُّها المسيحُ الإِله. إِمنحْ رأفتَكَ لشعبِك الجديدِ الملقَّبِ باسمِكَ. فَرِّحْ بقدرَتِكَ عبيدَكَ المؤمنين. مانِحاً إِيَّاهمُ الغلبة على محاربيهِمْ. لِتكنْ لهم نصرتُكَ سِلاحَ سلامٍ. ونصرًا ثابتًا."

"لقد فَرَّحتَنايا ربُّ بصنائِعِكَ. وأبهَجتَنا بأَعمالِ يدَيكَ. لِيرتَسِمْ علينا نُورُ وجهكَ يا ربّ. أَعطَيتَ قلبي سرورًا يفوقُ سُرورَهم. عِندما تكثُرُ غَلَّةُ حِنطَتِهم وخَمرِهم وزيتهم. حالما أَضَّجعُ أَنامُ بسلام. لأَنَّكَ أنتَ يا ربُّ وحدَكَ في الطُّمأنينةِ تُسكِنُني."

"إِرحَمْني يا ربّ. فإِني أَصرُخُ إِليكَ النهارَ كلَّهُ. فرِّحْ نفسَ عبدِكَ. فإِني إِليكَ رفعتُ نفْسي" (المزمور ٨٥)

"إِهدِني يا ربُّ في طريقِكَ. فأَسلُكَ في حَقِّكَ. ليَفرَحْ قلبي في مَخافةِ اسمِكَ" (المزمور ٨٥)

"لِيَكُنْ مَجدُ الرَّبِّ إِلى الدُّهور. ليَفرَحِ الرَّبُّ بأَعمالِهِ" (المزمور ١٠٣)

"فَليَلَذَّ لهُ نشيدي. وأَنا أَفرَحُ بالربّ"(المزمور ١٠٣)

"إِهدِنا طريقَكَ لنسلكَ في حقِّكَ. فرِّح قلوبَنا لنتَّقيَ اسمَكَ القدّوس."

صلواتنا دعوة دائمة إلى الفرح. لا بل لدينا كتب طقسيَّة اسمها تعزية وفرح. هكذا كتاب المعزِّي أو كتاب الثمانية ألحان، وهو الكتاب الأساس في صلوات الغروب والسحر. تتردَّد صلواته على مدار السنة، كلّ ثمانية أسابيع. الأناشيد والصلوات الوارده فيه هي حقًا ينبوع تعزية وفرح وقوَّة وشجاعة ومعنويات... وهو رفيق الراهب والكاهن والراهبة! ولهذا ندعوهم إلى المواظبة على تلاوته يوميًا!

فرح الإنجيل

بعد استعراض هذه المجموعة الكبيرة من الآيات الجميلة حول الفرح (راجعها في الملحق)، لي أمنية أن تصبح آياتٍ ترافق حياتنا اليوميَّة وتبعث الفرح في قلوبنا. وتصبح هذه المجموعة خبزنا الجوهري النابع من ثقتنا بمحبَّة الله لنا.

ويسرُّني في هذه الرسالة أن أنقل إلى الجميع بعض مقاطع حول الفرح من الإرشاد الرسولي لقداسة البابا بعنوان "فرح الإنجيل". وإنَّني أنصح الجميع بقراءَة هذه الوثيقة والتأمُّل فيها.
وهذه بعض مقاطع منها:

"الجماعة المبشِّرة بالإنجيل تعرف دائمًا أن تعيِّد فَرِحَة. إنَّها تحتفل بكلّ انتصار صغير. وتعيِّد له بكل خطوة إلى الأمام على طريق البشارة بالإنجيل. البشارة بالإنجيل الفرحة تتألَّق بالليترجيا. تبشِّر الكنيسة الإنجيل. وتبشِّر ذاتها بجمال الليترجيا التي هي أيضًا احتفالٌ بنشاط التبشير بالإنجيل وينبوع اندفاع متجدِّد للعطاء" (رقم ٢٤)

يشدِّد البابا على أهميَّة الفرح في كلّ مرافق الحياة. "التبشير بالإنجيل بشكلٍ واعظٍ فرحٍ!" (١١٠) على الكنيسة أن "تبشِّر بالخلاص بفرح" (١١٣)

"وهكذا نحتبر الفرح الإرسالي. فرح تقاسم الحياة مع شعب الله الأمين. محاولين إشعال النار في قلب العالم" (٢٧١). ويتكلَّم قداسته عن ينبوع الفرح والسعادة: "وحده الذي يشعر بأنَّه قادر على السعي لخير القريب ويتمنَّى سعادة الآخرين يستطيع أن يكون مرسلاً. انفتاح القلب هذا هو مصدر سعادة. "لأنَّ العطاء أكثر غبطة من الأخذ"(أعمال ٣٥:٢٠). لا أحد يسعد في حياته بالتهرّب بالتقوقع والرفاهية. فهذا ليس إلاّ انتحارًا بطيئًا" (٢٧٢).

وفي الموضوع نفسه يقول قداسته، متذكّرًا كلمات البابا بولس السادس في الإرشاد الرسولي بعنوان "التبشير بالإنجيل": "بالتالي على المبشِّر ألا يتلبس على الدوام رأسًا كئيبًا. لنَعُدْ ونكتشفْ ونضاعفْ النخوة، وفرح التبشير بالإنجيل العذب والمشجِّع، حتى عندما علينا أن نَبذُر في الدموع. ليتمكّنَ عالمُ اليوم الذي يبحث، حينًا في القلق، وحينًا في الرجاء، من أن يقبل البشرى الحسنة، لا عن يد مبشِّرين حزانى يائسين، نافذي الصبر، قلقين، بل عن يد خدامٍ للإنجيل، تشعُّ حياتهم حماسًا، ونالوا أولاً فرح المسيح" (بولس السادس. الإرشاد الرسولي. التبشير بالإنجيل" (رقم ٨). (رقم ١٠ من فرح الإنجيل)

ويقول في موضع آخر: "يسوع يسمح لنا أن نرفع رأسنا ونعاود الكرة بحنانٍ لا يخيِّبنا أبدًا ويستطيع دائمًا أن يعيد إلينا الفرح. لا نهربنَّ من قيامة المسيح، لا نعتبرنَّ أبدًا أنفسنا مغلوبين مهما حدث" (رقم ٣).

وما أجمل ما ورد في كلمته بعد صلاة التبشير الملائكي يوم ٧ تموز ٢٠١٣ في ساحة القدّيس بطرس لأجل السلام في سورية: "أيُّها الأحبَّاء! لا تخافوا أن تكونوا فرحين! لا تخافوا من الفرح. هذا الفرح الذي يعطينا إياه الربّ يسوع، عندما نتركه يدخل حياتنا، ويدعونا لنخرج إلى أطراف حياتنا، لكي نحمل فرح الإنجيل للآخرين".

وهكذا على من لديه أسباب للفرح أن يشرك الآخرين بفرحه! وليحاول أن يبعث الفرح والأمل والرجاء والتفاؤل والابتسامة لدى الآخرين. وهكذا نضاعف فرحنا بفرح الآخرين.
هذه هي قوَّة الإنسان أمام الضيق والألم والحزن والمرض والشدَّة على أنواعها.
هذه هي قوَّتنا أمام الأزمات الخانقة التي تنغِّص عيشَنا وتُرهق نفوسَنا وتدفعنا إلى اليأس والإحباط... وإلى الهجرة الدامية النازفة التي تُفقِدُ مجتمعَنا خيرة قواه، ولاسيَّما شبابه ومثقّفيه ومفكّريه وصانعي تاريخه ومستقبله!

اليوم وأكثر من أي يوم مضى نحتاج إلى الفرح، لأنَّ أسباب الحزن والألم والإحباط كثيرة... فعلينا أن نفتِّش، لا بل نستنبطَ أسبابًا لأفراحٍ ممكنة، ونتوقَّع ونترجَّى أفراحًا مشتهاة ومتوقَّعة! فهناك أمور صغيرة يمكن أن تُفجِّر عواطف ومشاعر جيَّاشة من الفرح والسعادة... علينا أن نكتشفها، لا بل أن نصنعها!

الفرح يولَدُ مِرارًا من لحظة، ومن اللحظة الراهنة. ولا يأتي من الخارج. إنَّه فرح في الداخل ومن الداخل، ويمكن القول: إنَّه فرحٌ شخصي ومحلِّي ومباشر... إنَّه فرحٌ صرفٌ نقيٌّ، عفويٌّ، عميقٌ، شخصيٌّ، نابعٌ من عمق أعماق الإنسان، ويفوق كلَّ فرحٍ آخر!

وأحبُّ أن أقول للأحبَّاء الذين يقرأون هذه الرسالة: إنَّ أجمل لحظات وخبرات فرحي في حياتي كلِّها، كانت لحظاتِ هذا الفرحِ النابعِ من الداخل، المتفجِّرِ من الداخل والنافذ إلى الداخل... ولم يشاركْني به أحد... وكان مرارًا في ساعات أو لحظات خَلوة داخليَّة سريعة، أو في لحظات فرديَّة شخصيَّة... ومرارًا في ظروف صعبة جدًا... إنفرجْت بطريقة سحريَّة، في نشوةِ شهقةِ فرحٍ ودمعةِ رجاءٍ وإيمانٍ ومحبَّة! لا أزال أشعر مِرارًا بسعادة تلك اللحظات!...

الأفراح الكبيرة تتفجَّر في قلبنا مرارًا من الأفراح الصغيرة! هكذا فإنَّنا مثلاً نريد أن نفرِّح أولادنا الصغار بكمٍّ كبير من الهدايا والألعاب...ولكنَّنا لا نعطيهم حبَّنا... ولا نعرف أن نعيش معهم لحظات من الفرح، من فرحهم الذي يصبح فرحنا!

قرأت مؤخَّرًا كتاب راهب بندكتي ألماني اسمه أنسلم غرين. أحبّ أن أنقل بعض خواطره إلى قُرَّاء هذه الرسالة الميلاديَّة.

إفرحْ بحياتكَ

لا تحتاج إلى أسباب غير اعتياديَّة لكي تفرح. إفرح بذاتك مع ذاتك. إفرح مع ذكريات حياتك. تصالح مع ذاتك. خذ قرارًا بأن تكون فرحًا وسعيدًا. هكا يقول شكسبير: خذ قرارًا كل يوم: إنَّني سعيد! وإذ ذاك فأنتَ أقوى من أقوى قوَّة في العالم.

إفرح بأن تكون أنتَ من أنتَ! لا تقارن ذاتكَ بالآخرين! ولا تتقلَّدهم، ولا تتفاخر بما لديك. ولا تحزن بسبب عدم حيازتكَ لهذه أو تلك من الأمور التي تراها في الآخرين.
إقنع بما أنتَ فيه! ويكفيك فخرًا أو فرحًا أنَّكَ خليقة الله! إنَّ الله يحبّك! ردِّد مرارًا: "الله يُحبُّني"!

إفرح بالطبيعة

الله خلق الإنسان وخلقّ له الفردوس! وكلّ جمالاته ووضعه فيه! هذا ليس شعرًا ولا أسطورة ولا خيالاً! بل حقيقة واقعيَّة. بالأسف قلَّما ننظر حقًا إلى الطبيعة. وهذا ما قاله يسوع: "لهم عيون ولا ينظرون! طوبى لعيونكم لأنَّها تنظر! وطوبى لآذانكم لأنَّها تسمع" (متى ١٦:١٣) المزمور ١٠٣ (١٠٤) هو نشيد الله للخالق نتلوه كلّ يوم في صلاة الغروب. ومن خلاله نتخطَّر في جنان فردوس هذا الكون الذي خلقه الله لأجلنا ولأجل خلاصنا! قديسون كثيرون إكتشفوا السعادة والحياة الروحيَّة وعلاقتهم مع الله وإخوتهم البشر من خلال الطبيعة، ومنهم القدِّيس فرنسيس الأسيزي. وقبله آباء البريَّة والصحاري والنسَّاك... ومنهم القدِّيسة مريم يسوع المصلوب ابنة كنيستنا العربيَّة، التي كانت في حوار فرحٍ دائم مع الطبيعة.

وفي هذا العام بالذات أصدر قداسة البابا فرنسيس رسالته بعنوان: إنَّكَ مسبَّحٌ يا ربّ" (لاحقًا بعض مقاطع منه)

لا أدري هل نتواصل مع الطبيعة عندما نصلِّي (الرهبان والراهبات والكهنة) صلاة الغروب ومطلعها هذا المزمور الجميل. وأحبّ هنا أن أشرك بجماله عموم المؤمنين الذين نادرًا ما يحضرون صلاة الغروب.

هذه آيات من هذا المزمور تصف الطبيعة، وحريٌّ بنا أن لا نغمض عيوننا عن جمالاتها:

"بارِكي يا نفْسيَ الرَّبّ. أَيَّها الرَّبُّ إِلهي لقَد عَظُمتَ جدّاً"

"أَنتَ المُفجِّرُ العيونَ في الشِّعاب. فتَجري المياهُ بينَ الجبال"

"تَسقي جميعَ وُحوشِ الصَّحراء. وتَرِدُها الفِراءُ في عطَشِها"

"تسكُنُ فوقَها طيورُ السَّماء. مِن بينِ الأَغصانِ تُطلِقُ صوتَها"

"أَنتَ الذي يَسقي الجِبالَ مِن عَلالِيِّهِ. مِن ثَمَرَةِ صنائعِكَ تشبَعُ الأَرض"

"أَنتَ المُنبِتُ كَلأً للبَهائِم. وخَضِراً لِخدمةِ البَشَر"

"لإِخراجِ خُبزٍ مِنَ الأَرض. وخَمْرٍ تُفرِّحُ قلبَ الإِنسان"

"تَرتَوي أَشجارُ الرَّبّ. أَرزُ لُبنانَ الذَّي غرَسَهُ"

"هُناكَ تُعشِّشُ العَصافير. وللَّقلَقِ بيتٌ في السَّرْو"

"الجِبالُ الشَّاهِقَةُ للأَوْعال. والصُّخورُ مُعتَصَمٌ للأَرانب"

"صنعَ القمرَ للأَوقات. الشَّمسُ عرَفَت غروبَها"

"ما أَعظَمَ أَعمالَكَ يا ربّ. لقَد صنَعتَ جميعَها بحِكمة"

"كلُّها تَرجوكَ. لتَرزُقَها القُوتَ في أَوانِهِ"

"تَرزُقُها فتَلتَقِط. تبسُطُ يدَكَ فتمتَلِئُ كلُّها خيرًا"

"أُشيدُ للربِّ في حَياتي. أُرنِّمُ لإِلهي على الدَّوام"

"فَليَلَذَّ لهُ نشيدي. وأَنا أَفرَحُ بالربّ"

وهكذا تصبح حياة الإنسان المؤمن نشيدًا وترنيمًا وصلاةً وفرحًا ولذةً وسعادةً! وذلك من خلال قُربه من الله ومن الطبيعة، ومن أخيه الإنسان...

نحتاج إلى التواصل مع الطبيعة التي خلقها الله لأجلنا. نحتاج إلى "التخطُّر" في الفردوس الذي خلقه هو، وهناك التقى بآدم وحواء اللذين خلقهما... ونحن عندما نتخطَّر في الطبيعة، نتنـزَّه، لا نحصر فكرنا بهمومنا وآلامنا... بل لنخرجْ من ذواتنا لنلاقيَ الله في الطبيعة، ونسعدَ بذلك الفرح الجميل... جميل أن نتنزَّه بدون أفكار ومشاريع ومشاكل وهموم اليوم... لنذهبْ إلى الطبيعة، ومن خلالها نلتقي الله خالقها...

إفرح بالأمور الصغيرة

الفرح ينتظرك في الأمور الصغيرة، في أمور الحياة اليوميَّة. حاول أن تفرح بكلّ عملٍ تقوم به مهما كان صغيرًا... إفرح وأنتَ تُرتِّب مكتبكَ... وأنتَ تأخذَ حمّامَ الصباح. وأنتَ تتناولُ فطور الصباح مع أسرتكَ، مع إمرأتكَ وأولادكَ والأصدقاء! إفرح لدى قراءَتكَ رسالة من صديق! أو حبيب أو قريب... وﭐفرح وأنتَ تخطّ له رسالة حبٍّ وشكرٍ وعرفانِ جميل وأمانٍ وتهانئ بكذا أو كذا نجاح أو عمل أو مشروع...

إفرحْ مع الأصدقاء! وحاولْ أن تكون مرِحًا معهم... واحمل لهم خبرًا سارًا أو نكتة أو فكرة روحيَّة أو اجتماعيَّة... أخرج من ذاتكَ لتلاقي الآخرين بكلّ بساطة... إفرح واحمل الفرح إلى الآخرين من خلال تفاصيل حياتك اليوميَّة...
إفرح بالأصدقاء!

إفرح بأن تستعرض في ذاكرتكَ هذا أو ذاك من الأصدقاء، وتتذكَّر الأوقات الجميلة التي قضيتها مع الأحبَّاء، مع الأصدقاء، مع الأقارب، مع رفاق العمل... وهكذا تخرج من عزلتكَ، وتنسى همومكَ.

اتصل بالأصدقاء! وهذا الأمر متوفِّر اليوم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي... اتصل بهم لا سيَّما في مناسبات محدَّدة: عيد ميلاد – يوبيل – مرض – سفر... ولا تنتظر أن يتَّصل بكَ الآخرون...

خصِّص متَّسعًا من الوقت للقاء الأصدقاء! بدون برنامج، بدون هدف، بدون مشروع... إلتقِ بالصديق لتعيش فرحة الصداقة... حيث لا تصنُّعٌ ولا تكليفٌ ولا حَرَجٌ ولا خجل ولا عتاب... بل ثقةٌ، وصدقٌ، وإخلاصٌ، ومودَّةٌ، وتعاطفٌ، وصداقةٌ... وفرح!

أليسَ هذا ما قاله السيِّد المسيح: "حيثما ﭐجتمع ﭐثنان أو ثلاثة باسمي أكون بينهم. ومتى ﭐتفق ﭐثنان على الأرض في كلّ شيء يريدانه، فهذا هو من أبي الذي في السماوات!"(متى ٨، ١٩-٢٠) أليس هذا ما صنعه يسوع مع صديقه لعازر، ومع الرسل بعد القيامة، حيث أعدَّ لهم سمكًا مشويًا على جمر؟... أليس هذا ما قاله يسوع لتلاميذه في العشاء السرِّي: "أنتم أحبائي! لا أُسميكم عبيدًا بعد... لكني قد سمَّيتكم أحبَّائي!" (يوحنا ١٤:١٥-١٥) وقال لهم أيضًا: "لكنّي سأراكم بعد الآلام والقيامة أيضًا فتفرح قلوبكم. ولا ينـزعُ أحدٌ فرحَكم منكم" (يوحنا ٢٢:١٦) وعندما أعلن لهم قائلاً: "إنَّ الآب يحبُّكم لأنَّكم أحببتموني" (يوحنا ٢٧:١٦).

وما أجمل صلاة يسوع لأجل تلاميذه قبل الآلام الخلاصيَّة، كما نراها في الفصل السابع عشر من إنجيل يوحنا! إنَّها صلاة المحبَّة والصداقة والثقة والوحدة والإخلاص والحنان والأمانة.
"أَمَّا الآنَ فَإِنِّي آتِي إِلَيْكَ. وَأَتَكَلَّمُ بِهذَا فِي الْعَالَمِ لِيَكُونَ لَهُمْ فَرَحِي كَامِلاً فِيهِمْ. أَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمْ كَلاَمَكَ، وَالْعَالَمُ أَبْغَضَهُمْ لأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنَ الْعَالَمِ، كَمَا أَنِّي أَنَا لَسْتُ مِنَ الْعَالَمِ، لَسْتُ أَسْأَلُ أَنْ تَأْخُذَهُمْ مِنَ الْعَالَمِ بَلْ أَنْ تَحْفَظَهُمْ مِنَ الشِّرِّيرِ. لَيْسُوا مِنَ الْعَالَمِ كَمَا أَنِّي أَنَا لَسْتُ مِنَ الْعَالَمِ. قَدِّسْهُمْ فِي حَقِّكَ. كَلاَمُكَ هُوَ حَق. كَمَا أَرْسَلْتَنِي إِلَى الْعَالَمِ أَرْسَلْتُهُمْ أَنَا إِلَى الْعَالَمِ، وَلأَجْلِهِمْ أُقَدِّسُ أَنَا ذَاتِي، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا مُقَدَّسِينَ فِي الْحَقِّ." (يوحنا ١٣:١٧-١٩) "أَنَا فِيهِمْ وَأَنْتَ فِيَّ لِيَكُونُوا مُكَمَّلِينَ إِلَى وَاحِدٍ، وَلِيَعْلَمَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي، وَأَحْبَبْتَهُمْ كَمَا أَحْبَبْتَنِي. أَيُّهَا الآبُ أُرِيدُ أَنَّ هؤُلاَءِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي يَكُونُونَ مَعِي حَيْثُ أَكُونُ أَنَا، لِيَنْظُرُوا مَجْدِي الَّذِي أَعْطَيْتَنِي، لأَنَّكَ أَحْبَبْتَنِي قَبْلَ إِنْشَاءِ الْعَالَمِ. أَيُّهَا الآبُ الْبَارُّ، إِنَّ الْعَالَمَ لَمْ يَعْرِفْكَ، أَمَّا أَنَا فَعَرَفْتُكَ، وَهؤُلاَءِ عَرَفُوا أَنَّكَ أَنْتَ أَرْسَلْتَنِي. وَعَرَّفْتُهُمُ اسْمَكَ وَسَأُعَرِّفُهُمْ، لِيَكُونَ فِيهِمُ الْحُبُّ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي بِهِ، وَأَكُونَ أَنَا فِيهِمْ»" (يوحنا ٢٣:١٧-٢٦)

إلى هذه الصداقة يدعونا يسوع! إليها يدعونا الإيمان! إليها نصبو كلّنا! وهي مصدر فرح! يسوع هو معلِّم الصداقة والفرح!

فرِّحِ الآخرين

فرِّحِ الآخرين، تفرحْ أنتَ أولاً! حاول أن تجد أمورًا مفرِّحة!

أَذكر أنَّنا عندما كنا في صدد وضع الكتب الطقسيَّة الجديدة، وكنا نقضي الساعات في العمل المضني... كانت لدينا لائحة بالنكت والقصص المرحة... وكنا مرارًا نكتفي بذكر مطلع النكتة أو رقمها... لكي نَشعُرَ بالانشراح والراحة والفرح والصداقة... ومن ثمَّ نعودُ إلى العمل. وأَذكرُ المثلَّثَ الرحمة المطران يوحنا منصور، الذي كان يوميًا يأتينا إلى المائدة بأقاصيص من الجرائد، مع حُزْمَةٍ من الأخبار والنوادر والنكت... وأذكر أيام الدراسة في الإكليريكيَّة الكبرى في دير المخلَّص، حيث كان هناك دائمًا تلميذٌ مرحٌ فرحٌ مهضوم! وكان يأتي الرئيس العام والمدبِّرون والكهنة الشيوخ ليشاركوا في سهرات الطلاب الكبار، لكي يستمعوا إلى نكت ذلك الأخ الذي كان مشهورًا بنكته ويعيشوا جوَّ الفرح الذي كان يخلقه بين رفاقه...

وهذا هو أيضًا أمر يتعلَّمُه الإنسان... ومن الضروري أن يكون على برامج التربية والتنشئة ودروس الأخلاق!

وكنا نتعلَّم آياتٍ فيها تعاليم جميلة. ولا أنسى تلك الجملة: "لا تضع عينيك في جيبك!" أعني: كُنْ على تواصلِ محبَّةٍ ومودَّةٍ ونكهةٍ وصداقةٍ واهتمامٍ مع الآخرين... فتفرح! وتعطي الفرح للآخرين! وقال لي شيخٌ من شيوخ الدروز: "المرتاح بريِّح! والمعقَّد بعقِّد!"
خُلِقَ الإنسانُ للفرح

هذا ما قاله المفكِّر الفرنسي الشهير باسكال. لا بل فإنَّ الفرح هو الصفة المميَّزة للإنسان. والروحانيَّة المسيحيَّة في نظرته تهدف إلى ملامسة هذا الفرح، الذي هو جوهر الإنسان. ويقول بول كلوديل الأديب الفرنسي المعروف: إنَّ مهمَّة المسيحي ودعوته هي الفرح. ويقول الروائي الفرنسي جورج برنانوس: إنَّ مهمَّة الكنيسة ودعوتها هي أن تجعل المؤمنَ يكتشف ينابيع الفرح الذي فقده الإنسان بالخطيئة. والإنجيل هو بشرى الفرح.

ولهذا فالدعوة إلى الفرح هي في جوهر إيماننا المسيحي: على المسيحي أن يشعَّ دائمًا بالفرح. فافرح وعبِّر عن إيمانك العميق بفرحكَ العظيم. واكتشف الفرح في حياتكَ.
الطريق إلى الفرح والسعادة

وهنا تَحضُرني رسالة من صديق ألماني، نقل إليَّ فيها مقطعًا حكميًا وجده عند حلاق في القاهرة، وترجمه إلى اللغة الألمانيَّة، وأرسل إلي نسخة منه. وهذا نصّه: الطريق إلى السعادة

- أبعدْ عن قلبكَ البغضَ والكراهيةَ والحقد!

- لا تُرهقْ أفكاركَ بهمومٍ كثيرة!

- عِشْ ببساطة، ولا تنتظرْ أمورًا سامية!

- كن كريمًا! غنِّ وأنشدْ كثيرًا!

- وصلِّ بلا انقطاع!

- إملأْ حياتكَ بالحبّ!

- أرسلْ أشعَّةً من نفسيَّتك!

- لا تفكِّر بذاتكَ، بل بالآخرين!

- وعامل الناس بالطريقة التي تتأمَّل أن يعاملوك بها! هذه هي الحلقات التي تؤلِّف مسبحة السعادة!

مراجعة مقاطع من المفكرة حول السعادة وأيضًا شهادة أثينا...

مراجعة رياضتي لراهبات يسوع الصغيرات

وزيادة مقطع من البابا حول أمراض ...

وصلاة البابا اليومية

رسالتي: يا لفرحتي المسيح قام ورسائل أخرى عن الفرح

الله يفرِّح الناس

يرسل ملاكًا ليبشِّر الناس بالفرح في ميلاد السيِّد المسيح: "إنَّني أبشِّركم بفرحٍ عظيم" المخلِّص هو الفرح الأكبر. وعلى الناس أن يُفرِّحوا اللهَ بأن يُحبّوه، ويحفظوا وصاياه، ويَثقوا به، ويُفرِّحوا إخوتهم البشر. إيماننا المسيحي مؤسَّسٌ على الفرح.

المسيحيَّة تُحبُّ الفرح. تُحبُّ العيد! روزنامة السنة الطقسيَّة كلّها أعياد. أعياد السيِّد المسيح هي أعياد فرح: البشارة بالسيِّد المسيح، ميلاده، تقدمته إلى الهيكل، عمادته، تجليه على جبل ثابور، دخوله إلى أورشليم، العشاء السرِّي الأخير مع التلاميذ، وعبر الآلام عيد القيامة، والصعود الإلهي، وإرسال الروح القدس يوم العنصرة...

وهكذا الكلام عن أعياد السيِّدة أمّنا مريم العذراء: الحبل بها، ميلادها، دخولها إلى الهيكل، بشارتها، زيارتها إلى أليصابات، ولادتها ليسوع المسيح، وأخيرًا انتقالها المجيد إلى السماء.
وهكذا الكلام عن أعياد القدِّيسين الذي نذكرهم كلّ يوم، لاسيَّما في تهيئة الليترجيا الإلهيَّة: الملائكة، الأنبياء، الرسل، الشهداء، الأبرار، آباء الكنيسة، الأطباء الزاهدون في المال والصانعو العجائب، الأساقفة، النسوة، البارَّات، والشهداء والشهيدات...

تاريخ الكنيسة تاريخ عيدٍ دائم! بالرغم من أنَّه أيضًا تاريخ الجهاد والألم والعذاب والشهادة... إنَّه درب صليب ولكنَّه يقود إلى أفراح القيامة.
إفرح باللحظة

هناك قول مأثور باللغة اللاتينيَّة وهو Carpe Diem، أعني راقب اليوم. تأمَّل اللحظة الراهنة. إنَّها لحظتكَ! إنَّها فرصتكَ! إنَّها مُلكك!

كان راهب في غزة اسمه دوروثاوس (أي عطيَّة الله) عاش في القرن السادس وكان ناسكًا. وكان الناس يأتونه ويرسلون له رسائل. فيقدِّم لهم النصائح حسب حاجاتهم. وكانت نصيحته الأساسية الدائمة: عشْ اليوم! عِش اللحظة!

وقد فهمتُ هذا التعليم من خلال ملاحظتي لإنسان على مقعدٍ أمامي في الطائرة. وكان يرتدي سترةً كتب عليها: أمسِ من الماضي! غدًا سرٌّ! اليوم هديَّة!Yesterday is a History! Tomorrow is a Mystery! Today is a gift!
وهكذا فالماضي مضى وما عادَ لكَ. والمستقبل لا تعلَم ماذا يُخبِّئ لكَ. الآن: هذا هو وقتكَ!

هذا هو مجال عملكَ! وبهذا المعنى أذكر كتابًا لروجيه شوتز مؤسِّس جماعة تيزيه (Taizé) عنوانه: عشْ يوم الربّ! إفرح باللحظة Vivre l’aujourd’hui de Dieu. أنظر إلى اللحظة باهتمام كبير وأنتَ تسعى نحو الغاية المنشودة!

هذا هو أيضًا طابع صلواتنا اليوميَّة الطقسيَّة. إنَّها دائمًا تشير إلى اليوم، إلى النهار، وتربطه بالأبديَّة... وهكذا نصلِّي مرارًا يوميًا: "ملاك سلام أمينًا! حارسًا نفوسنا وأجسادنا! الربَّ نسأل!" "أن يكون يومنا كلّه كاملا مقدَّسًا سلاميًا وبلا خطيئة الربَّ نسأل". ونصلِّي: "أهِّلنا يا ربّ أن نحفظ في هذا اليوم بلا خطيئة."

إلى هذا الفرح يدعونا إيماننا! وهذا ما يقوله يسوع لنا: "ما دام لكم النور. فسيروا في النور.... لتكونوا أبناء النور"! (يوحنا ١٢، ٣٥-٣٦).

أيُّها الأحبَّاء!

ربما يقول قائل لدى قراءَة هذه الرسالة التي فيها التبشير بالفرح: إنَّكَ يا سيِّدنا البطريرك خارج الزمان والمكان! وكأنَّكَ تعيش في برجكَ! ولا ترى الواقع المؤلم المرَّ مرارة العلقم! وليس في الأفق أيَّةُ إشارةٍ للفرح والفرج ولنهاية هذا النفق المظلم، ودرب الصليب الدامي، الذي يسير فيه مشرقنا ولاسيَّما سورية منذ خمس سنوات!!!

أعلمُ ذلك حقَّ العلم! وأعيشُ كلّ يوم مأساتَنا كلّنا المشتركة. وأسيرُ بأقدامٍ داميةٍ مع شعبي حاملاً الصليب اليومي! ولأنَّ هذا الصليب دامٍ! وهذه الجلجَلة قاسية! وهذا النفقَ مظلم! وهذا الأفقُ مغلقٌ... لأجل هذا ﭐخترتُ عنوان رسالتي، مردِّدًا للجميع مع الملاك: إنَّني أبشِّركم بفرحٍ عظيمٍ! ما تحتاجونَ إليه، أمام المآسي والضحايا والشهداء ومئات بل آلاف القذائف والصواريخ... وأمام مشاهدِ الدمارِ والبربريَّة والقتلِ والعنفِ والتعذيب... أجل ما تحتاجونَ إليه اليوم يا أحبائي هو الفرح! وقال الشاعر: في الليلة الظَّلماء يفتقدُ البدر!

أردتُ أن أُساهمَ في إدخال الفرح الروحي، فرح الإيمان والرجاء والمحبَّة والأمل والثقة والتفاؤل والسعادة والهناء... أردتُ أن أُدخِلَ هذه المشاعر إلى قلوبكم! وإلى قلوب أبناء وبنات سورية، والعراق وفلسطين ولبنان والأردن ومصر والكويت والخليج وعمان والسعوديَّة وقطر واليمن... وإلى قلوبِ أبناء كنيستنا رعاةً ومؤمنين في كلِّ مكان... وقلب كلِّ إنسان... وأصدقائي المحسنين إلى خدمتي البطريركيَّة، وإلى كلّ من يخفِّف معاناة الناس وآلامهم...
أريد أن أُفرِّح قلوبَكُم بفرح الربّ يسوع! فرح أنشودة وعيدِ الميلاد، وكأنَّني ملاكُ تلك الليلة الخلاصيَّة، أُنشدُ نشيد الميلاد مع الملائكة، ومع نشيد الميلاد للأب منصور لبكي حيث يقول:

ليلةَ الميلاد يُمَّحى البغضُ. ليلةَ الميلاد تُزهرُ الأرضُ

ليلةَ الميلاد تُدفنُ الحربُ. ليلةَ الميلاد يَنبتُ الحبُّ

عندما نَسقي عطشانَ كأسَ ماء! نكونُ في الميلاد

عندما نَكسي عريانَ ثوبَ حبّ! نكونُ في الميلاد

عندما نُكفكفُ الدموعَ في العيون! نكونُ في الميلاد

عندما نَفرشُ القلوبَ بالرجاء! نكونُ في الميلاد

عندما أُقبِّلُ رفيقي دون غشْ! أكونُ في الميلاد

عندما تَموتُ فيَّ روحُ الانتقام! أكونُ في الميلاد

عندما يُرمَّدُ في قلبيَ الجفا! أكونُ في الميلاد

عندما تَذوبُ نفسي في كيان الله! أكونُ في الميلاد

وهكذا أُردِّد مع ملائكة بيتَ ساحور وبيتَ لحم والقدسِ وملائكة كنائسنا وملائكتنا الحراس وأقول: يا أخي! يا أختي! أبشِّركَ بفرحٍ عظيم! الله يعرفُ اسمكَ! أنتَ كريمٌ في عينيّ الرَّبّ! الله يحبُّكَ! ردِّد مرارًا: الله يحبُّني! فستدخلُ السعادة إلى قلبكَ.

ومع بولس الرسول أردِّد: إفرحو! وأيضًا أقول إفرحوا!

ميلاد مجيد! وعام سلام وأمان ومحبَّة! يكون عام السلام لسورية وللمنطقة بأسرها وللعالم!

 

 

مع محبَّتي وبَرَكَتي ودعائي

+ غريغوريوس الثَّالث

بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والإسكندريَّة وأورشليم

للرُّوم الملكيّين الكاثوليك

تابع أيضاً

رح نرجع نعمرها

صاحب الغبطة وصاحب السيادة يحتفلان بالقداس الإلهي في كنيسة القدّيس ....

10 تشرين ثاني 2020
عيد القدّيسة صوفيا وبناتها إيمان ورجاء ومحبّة

صاحب الغبطة يحتفل بعيد القدّيسة ....

17 أيلول 2020
عيد الصليب المقدّس

صاحب الغبطة يحتفل بعيد الصليب المقدّس في بلدة معلولا - ريف ....

14 أيلول 2020
ميلاد السيّدة العذراء

صاحب الغبطة يحتفل بعيد ميلاد السيّدة العذراء في كاتدرائيّة ....

8 أيلول 2020
عيد رُقاد وانتقال السيّدة العذراء

صاحب الغبطة وصاحب السيادة والكهنة يحتفلون بعيد ....

15 آب 2020
نداء

صاحب الغبطة يوجّه نداء عالمي لدعم أهل بيروت عقب تفجير مرفأ بيروت

12 آب 2020
يوم افتقاد

صاحب الغبطة يتفقّد المتضرّرين من جراء كارثة مرفأ بيروت

8 آب 2020
عيد التجلّي

صاحب الغبطة وصاحب السيادة يحتفلان بقدّاس عيد تجلّي الرب في كاتدرائيّة ....

6 آب 2020
يا والدة الإله الفائقة القداسة خلصينا

صاحب الغبطة وصاحب السيادة يحتفلان بالقدّاس ....

2 آب 2020


تابعونا على مواقع التواصل الأجتماعي

© 2024 -بطريركية الروم الملكيين الكاثوليك