عدد الزيارات : 4808
كنائس الأبرشيّة > كاتدرائية سيّدة النياح 11 كانون ثاني 2016

بناء كاتدرائيّة سيّدة النياح وتطوّرها


أولاً: شراء أرض الكاتدرائيّة

    بحث أبناء الروم الكاثوليك في دمشق عن قطعة أرض تصلح لبناء كنيسة لهم، فلم يجدوا سوى آثار دار هي كنيس لليهود القرّايين تحيط به أرض فسيحة فيها بستان، تقع في حارة الزيتون في الجهة الشرقية من المدينة على مقربة من بابها الشرقيّ ومن أسوار المدينة. وهي قريبة أيضاً من المكان التاريخيّ الذي تدلّى منه القدّيس بولس في سلّ إذ هرب ليلاً من وجه اليهود على ما جاء في أعمال الرسُل.

    وكان هذا الكنيس متداعياً ولم يسلم منه إلاّ بعض أجزاء من جدرانه ومن سقفه. وكان مهجوراً لأنّه لم يبقَ لليهود القراّيين أثر في دمشق. لذلك حضر من القدس مندوب عن طائفة القرّايين اسمه روفائيل مدعوّا من الروم الكاثوليك للتعامل معه في مسألة شراء الكنيس ولتحرير عقد البيع. ولمّا أوشكت المعاملات على نهايتها دُسّت الدسائس على الكاثوليك لعرقلة البيع ومنعه. حينئذٍ توجّه نقولا غرّة، أحد أعيان الروم الكاثوليك، إلى علي آغا خزندار إبراهيم باشا للتوسط في حلّ مسألة البيع العالقة. وبعد تناول علي آغا «الأتاوة» المعهودة، قصد اليهوديّ روفائيل ليلاً في حارته وكلّمه وهو مستلّ سيفه مهدّداً إيّاه بالانتقام إذا عرقل من جديد عمليّة البيع. وبناءً عليه وقّع روفائيل في صباح اليوم التالي، الموافق لأواسط جمادى الأولى ١٢٤٨ه، عقد البيع بحضور الحاخام إبراهيم ليولي الاسلامبوليّ نائباً عن طائفة القرّايين في الأستانة والقرم ومصر، وقبض ثمن الكنيس والأرض المجاورة له حوالي ١٣ ألف غرش صاغ ميريّه. وشمل هذا المبلغ ثمن أرض الكنيسة ودار البطريركيّة والأنطش والجنينة الواقعة جنوب الكنيسة وأرض المدرسة. وقد أكّد يوسف وردة ابن المرحوم نقولا وردة المرخمجي الشهير، أحد أبناء الروم الملكيين الكاثوليك بمصر، أن أرض المدفن كانت داخلة أيضاً في صفقة البيع وأنّ قسماً من المدفن «الطائفّي» الحاليّ بدمشق كان سابقاً مدفناً لليهود القرّايين.حارة الزيتون-كنيسة الكاتدرائية- دمشق-سورية

ويتبيّن من نص الاعلام الصادر عن البطريرك مكسيموس مظلوم، بتاريخ الأوّل من تموز ١٨٣٤، والمدرج في قسم الوثائق، أنّ ثمن الأرض دُفع من تبرّعات أعيان الروم الكاثوليك ومن مال الوقف.

هناك رواية أخرى ذكرها الأديب حبيب زيّات في معرض حديثه عن أصل المدرسة البطريركيّة في دمشق، فيقول إنّ الأرض التي بنيت عليها المدرسة كانت في الأصل تابعة لأوقاف حارة الزيتون التي اشتراها سنة ١٨٣٢ (١٢٤٨ ه) المعلّم روفان بن نقولا الطويل بالوكالة عن جماعة الروم الملكيين الكاثوليك من المعلّم ابراهيم بن موسى اليهوديّ القرّا القدسيّ الناظر المتولّي على أوقاف صعاليك اليهود القرّائين بحضور الرجل الوحيد الباقي منهم وقتئذٍ بدمشق وهو ابراهيم بن فضّول النجّار حسبما هو مذكور في مجموع نسخ الحجج المحفوظ عند زيّات. وعلى الأرجح أن بيع الكنيس جاء من جملة الصفقة نفسها فحُوِّل الكنيس إلى كاتدرائيّة، في حين تأخّر بناء المدرسة البطريركية على الأرض الملاصقة للكنيسة حتى سنة ١٨٥١. انطلاقاً من هذه المعطيات وجب إعادة النظر بطريقة البيع والأسماء عند الأرشمندريت غرّة.

ونقل الارشمندريت فيلبّس غرّة بعض تفاصيل طريفة تتعلّق بمشترى الأرض قصّها عليه المرحوم سليم أنطون غرّة كبير عائلة غرّة بدمشق الذي توفّى في الثلاثينات عن عمر يناهز ٧٥ عاما، وثبّتها إخوته الباقون على قيد الحياة، وخصوصاً السيّد حنا غرّة في بيروت.

قال حنا نقلاً عن والده المرحوم أنطون موسى غرّة: «إنّ يوسف غرّة هو الذي توجّه مصحوباً بابن أخيه أنطون لكي يدفع ثمن الأرض، وكان له مخزن "بخان الرز" الذي يقال له أيضاً "خان الصقّالين". وكان يوسف غرّة تاجراً كبيراً، فأخذ صباحاً إلى مخزنه ابن أخيه الشاب أنطون موسى الغرّة البالغ من العمر ١٦ سنة وحمّله على كتفه كيس الدراهم ثمن الأرض وفيه ثلاثون ألف غرش عمله ذهبيّة نمساويّة "فرينيات" وعملة تركيّة "براغيت" فضّة. ثم بعد قليل توفّي يوسف غرّة هذا بينما كانت الكنيسة الجديدة تُبنى حتى ارتفعت جدرانها إلى علو نحو ذراع فقط. حينئذٍ نُصبت خيمة في صحن الكنيسة وهناك جُنِّز المرحوم يوسف غرّة. 



ثانياً بناء الكاتدرائيّة



    بعد إتمام البيع جهد الروم الكاثوليك في الحصول على الترخيص من السلطات المصريّة لبناء كنيسة، وهي عمليّة صعبة بالنسبة للمسيحيّة في الدولة الإسلاميّة، إلاّ أن وجود حنّا بك البحري بين أركان السلطة المصريّة، وقربه من إبراهيم باشا، سهّل عمليّة الحصول على الأمر العالي الذي صدر بتاريخ ٢٩ من جمادى الاولى ١٢٤٩ه الموافق ليوم الاثنين ١٤ تشرين الأوّل ١٨٣٢، وقد تضمّن هذا الأمر الإذن ببناء كنيسة الروم الكاثوليك مرفقاً ببعض الشروط.

    والمطّلع على هذا الإذن يلاحظ أن السلطة المصريّة راعت فيه المبدأ الذي لا يسمح للنصارى بأن يبنوا كنائس جديدة. فإنّ التصريح للكاثوليك هو باستعمال كنيس اليهود واشترط فيه حفظ حدود الطول والعرض مع السماح بترميمه وترتيبه بـ«موجب رسوم اعتقاداتهم».

    بعد إنهاء الإجراءات القانونيّة باشر الروم الكاثوليك عمليّة البناء بهمّة ونشاط وغيرة. وكانوا يتسابقون إلى الورشة للعمل فيها فرحين مهلّلين، يحملون الحجارة على أكتافهم ويساعدون البنّائين بلا أجر. وكل من لم يقدر على العمل كان يساعد بالمال. وكان من أبرز المسهمين في تكاليف البناء إسهاماً زائداً الوجيهان متري شلهوب وأنطون الشامي.

    وهكذا اشترك أبناء الرعيّة بأجمعهم في تشييد كنيستهم الجديدة. وينقل التقليد خبراً عن أحد الكهنة الغيورين المدعوّ الخوري جاورجيوس الذي حمل على أكتافه واحدة فواحدة المئة والعشرين قطعة من قطع الخشب الكبيرة التي استُعملت في بناء السقف بحسب ما كانت تجري عليه أعمال البناء في ذلك الزمان. وكانت الجدران من الحجر، أما الإيقونسطاس فكان من حجر أصفر يتخلّله قليل من الرخام، وصحن الكنيسة كان مبلّطاً بالحجر الشامي المعروف «بالمزي». ولم تتجاوز الكنيسة حدود الكنيس فكان طولها ٣٣ متراً وعرضها ١٨ متراً ودام العمل في بنائها نحو سنتين وانتهى في سنة ١٨٣٤. ويقول فيلبّس غرّة، نقلاً عن بعض المصادر العيليّة التي حفظت تقاليدها بعيدة عن التزويق، إنّ رئيس البنّائين في هذه الكنيسة كان الألفا موسى جهلان أبا يوسف أبي الياس صاحب حاصل الخشب الذي كان لوقت قريب ملك آل جهلان بدمشق، وهو الذي لاحظ البناء. وبعد أن عمّر طويلاً مات ضريراً.


وقد نُقشت في صدر الكنيسة، على قطعة من الرخام، أبيات من الشعر تؤرّخ لبناء الكاتدرائيّة:


باب الكاتدرائية - حارة الزيتون - سوريا - دمشق

قبِّل هياكل بيعةٍ قد شيّدت
فاضت بها روح المسيح واهباً
وعلى المقادس مذ تظاهر نورُها

 

بسم البتول ذخيرة الأبرار
تشفي من الآثام والأوزار
أرّختها مظهرة الأنوار
                                  ١٨٣٤

 

    وكانت هذه القطعة من الرخام محفوظة في «السكرستيا» وهي الأثر الوحيد الذي سَلُم من حريق الكنيسة سنة ١٨٦٠. أمّا مركزها الطبيعي فكان في صدر باب الكاتدرائيّة الخارجيّ وإلى جانب تاريخها الحديث الذي وضعه المرحوم إبراهيم جهلان في إطار الباب، وهي على الأرجح مفقودة اليوم لأننا لم نجد لها أثراً لا في داخل الكنيسة ولا في خارجها.

 

ثالثا: تدشين الكاتدرائيّة

    توفي المطران أغناطيوس قطّان، في ٩ من شباط ١٨٣٢، بدير سيدة البشارة في جبل لبنان. فاجتمع الأساقفة في دير القديس جاورجيوس الغرب وانتخبوا خلفاً له السيد مكسيموس مظلوم في ٢٤ من آذار ١٨٣٣. وكان أبناء الروم الكاثوليك بدمشق، منذ عهد البطريرك كيرلّس طاناس، أي منذ سنة ١٧٢٤، لم يروا بطريركهم بسبب الاضطهادات.

أمّا البطريرك مكسيموس مظلوم فقد سعى، بعد انتخابه، لدى محمّد علي باشا والي مصر واستحضر أمراً للسماح له بدخول دمشق فورد إليه بصفة توصية بشخصه. وحينئذ دخل دمشق في ٥ من نيسان ١٨٣٤، المصادف يوم سبت لعازر، بصحبة المطران أغابيوس الرياشي متروبوليت بيروت ومعه جمهور من أكليرسه. وخرج أبناء الروم الكاثوليك لاستقباله فكان موكباً حافلاً جمع من الزينة والبهجة ما لا يُمكن وصفه. وبصورة عامّة «كانت لوائح المسرّة والبشر تتلألأ على وجوههم لمرآهم بطريركهم» خصوصاً أنه مضى عليهم حوالي مئة وعشر سنين لم يروا بطريركاً في دمشق، أي منذ غادر البطريرك كيرلّس السادس طاناس المدينة سنة ١٧٢٤.

damas- syria-rue zaytoun

    ودخل البطريرك الكنيسة يتقدّمه مصافّ المرنمين وجمهور من المؤمنين غصّت بهم الكنيسة، وهم ينشدون «المجدلة الكبرى». ثم وقف البطريرك مكسيموس أمام الباب الملوكيّ وألقى على الحاضرين خطبة بليغة دلّت على «علو طبقته وسمو معارفه وكثرة اطّلاعه وطول باعه في الخطابة وطلاقة لسانه». استهلّها بهذه الكلمات من الكتاب المقدّس: «أذكر يا اسرائيل اليوم الذي خرجت فيه من العبوديّة». وأوضح في سياق كلامه شرف الدين المسيحيّ الذي من علاماته المميزة الاضطهاد في بسالة وجلَد يفيضان دائماً إلى النصر المبين، مطوّباً الأموات الذي تحمّلوا ذلك، ومهنّئاً الأحياء بحصولهم على الحريّة الدينيّة، حاضاً الجميع على تقديم الشكر لله.

    ويعتبر الأب جوزيف حجار أن صفحة جديدة في تاريخ الكنيسة الملكيّة الكاثوليكيّة قد فُتحت بهذا الإنجاز، وأنّ هذه الصفحة تمثّل بداية طريق طويل يحدّد البطريرك مسافتها وصعوباتها.

    وفي اليوم التالي من دخوله دمشق، وكان يوم أحد الشعانين، كرّس البطريرك الكنيسة الجديدة ودعاها باسم سيّدة النياح. وأقام فيها قدّاساً حبريّاً أبهج قلوب الرعيّة وأولادها. وفي ٧ أيار ١٨٣٦، الموافق يوم خميس الصعود، رسم غبطته في الكاتدرائيّة المطران باسيليوس شاهيات الراهب الشويريّ الحلبيّ على كرسي الفرزل وكان أوّل مطران رُسم في الكنيسة الجديدة. وفي يوم الأحد ١٩ من تموز من السنة ذاتها رُسم أيضاً فيها المطران إكليمنضس بحوث المخلّصي على كرسي عكّا، وقد نال الكثير من الأساقفة الرسامة في هذه الكاتدرائيّة.

ولمّا كان بناء الدار البطريركيّة لم ينته وقتئذٍ فقد أُعدَّت للبطريرك دار في حارة الزيتون قرب الكنيسة. وفي غضون ذلك اجتمع أعيان الروم الكاثوليك مع البطريرك مكسيموس ووضعوا في ما يختصّ بهذا الدار الاتّفاقيّة المعروفة التي وافق عليها البطريرك وثبّتها بإعلامه الرسميّ.

ويُستنتج من الصك المحرّر في اليوم الأول من شهر تموز سنة ١٨٣٤، أي بعد بضعة أسابيع من وصول البطريرك مكسيموس إلى دمشق، ما يلي:

١- أنّ الدار البطريركية تمّ بناؤها بعد بناء كنيسة سيدة النياح بقليل. وأنها تُعدّ مرتبطة بهذه الكنيسة ارتباطاً وثيقاً.

٢- أن أرض الدار البطريركية، وهي جزء من أرض وقف «الطائفة» الواقعة عليها الكنيسة، قد اشترتها «الطائفة» من تبرّعات أعيانها ومن مدخول الوقف.

٣- أن أبناء الكنيسة الملكية الكاثوليكيّة قصدوا باتّفاقهم هذا مع البطريرك مكسيموس أن يثبتوا حقوق الكاثوليك دون سواهم على الدار البطريركية كما كان على الكنيسة الجديدة. استدراكاً لتقلّبات الزمان.

    وهكذا اتّخذوا «احتياطاتهم من الذئاب الخاطفة ومن تقلقل كل قصبة تحرّكها الريح، لئلا تأتي أيّام تذهب فيها معاهدهم إلى غير جهة الكاثوليك كما حصل بكنيستهم ]لكنستهم[ المريميّة وبغيرها من المعاهد».

 

رابعا: دمار الكاتدرائيّة

   توفي البطريرك مكسيموس مظلوم سنة ١٨٥٥، فخلفه البطريرك إكليمنضُس بحوث (١٨٥٦ – ١٨٦٤) الذي شهدت ولايته أحداث ١٨٦٠ المشؤومة. فقد تعرّض في أثنائها المسيحيون لمذبحة كبرى أدّت إلى استشهاد الآلاف من المؤمنين، وخسروا عددا كبيراً من كنائسهم ومدارسهم ومنازلهم حرقاً وتدميراً ونهباً. وفي أثناء الأحداث التهمت النيران كنيسة سيدة النياح الدمشقيّة والدار البطريركيّة، فلم يبقَ فيها حجر على حجر، وخسرت البطريركية والرعيّة معظم السجّلات والوثائق والمخطوطات، وسقط لها عدد كبر من الشهداء من بينهم سبعة من رهبان دير المخلّص هم: بولس زغيب وديمتري عبسي وعازار المكتّف وروفائيل زلحف وفلاسيوس بسرّيني وديمتري سعد والشماس سمعان جبارة.

 

خامساً: إعادة بناء الكاتدرائيّة

    بعد أحداث سنة ١٨٦٠، المعروفة في دمشق بسنة الطوشة، أعاد الدمشقيون بناء الكاتدرائيّة على مساحة أوسع ودام العمل فيها نحو السنتين حتى اكتمل البناء سنة ١٨٦٤.

    وقد استعملوا أموال المساعدات التي قُدّمت للمتضررين من أحداث ١٨٦٠، وبلغت قيمتها ٢٥ألف ليرة فرنسية لإعادة بناء الكاتدرائيّة والدار البطريركية. فضلاً عن التبرعات التي قدّمها الدمشقيون لكنيستهم. وتتناقل الروايات عن أنّ النساء بادرن إلى تقديم ما احتفظن به من مجوهرات إلى الكنيسة إسهاماً مادياً لإعادة بناء الكاتدرائيّة. وقد وضع الرسوم الهندسية للبناء الجديد الألفا المرخمجي الشهير يوسف بن نقولا وردة مراعياً فيها الأصول البيزنطية، وقد مزجها بشيء من الذوق السوريّ الذي كان دخل على الفن البيزنطي في العصور المتأخرة والذي يُكنّى عنه بالفن «السوري البيزنطي».

    أمّا البنّاؤون الذين شيّدوا البناء فهم المعلّمون يوسف العنيد ونقولا وردة وأنطون منصور ووهبة بهيت، وقد عملوا تحت إشراف المعماري الكبير ميخائيل مسديّة. وكان أبناء الروم الكاثوليك يتسابقون إلى «الورشة» للعمل فيها بعدما سمحت السلطة الكنسية للعمّال وللبنّائين بأن يعملوا مجاناً أيام الآحاد والأعياد.

    وقد نقل الارشمندريت فيلبّس غرّة رواية عن هذه المرحلة من تاريخ الكاتدرائيّة، فقال إن الحمية أخذت كل مأخذها «لمّا جاءت الحسناء عفيفة الصولة، شقيقة الشاعر الشهير سليمان الصولة، وزوجة الوجيه الكبير متري شلهوب، فحملت بيديها الرشيقتين الحجارة والمؤونة للبنائين، فأقبل الشعب ورفعها على الأكتاف».

    وقد سعى الارشمندريت أرسانيوس عطية (١٨٥٥ – ١٩٣٤)، وكيل أملاك البطريركيّة في عهد البطريرك غريغورس الأوّل سيّور، لإقامة إيقونستاس الكاتدرائيّة من حجارة رخاميّة اشتراها من أسرة سجعان.

   كما أنّها تجدّدت مؤخراً سنة ٢٠٠٠بإزالة القشرة الإسمنتيّة عن جدرانها وأعمدتها وسقوفها، لتظهر كتُحفة فنيّة، وجرى ذلك على عهد البطريرك غريغوريوس الثالث وهمّة المطران إيسيدور بطيخة وعلى نفقة الأب جهاد جلحوم وقُبيل زيارة قداسة البابا القديس يوحنا بولس الثاني(٢٠٠١).

 

سادساً: معالم الهندسة البيزنطية في الكاتدرائيّة

    بناء الكنيسة ممتد بشكل عرضاني، أمامه رواق مُعومَد مشيّد بالحجارة البازلتيّة السوداء. وفوق المبنى برجان يعلو كل منهما الصليب. البرج الأيسر للناقوس، وفي الأيمن ساعة كبيرة وُضعت بتاريخ ١/١/٢٠٠٣. وترتفع قبة ضخمة بين هذين البرجين وفوقها الصليب.

    وُجهتُها إلى الشرق. أُلصق في جدارها الغربي الخارجي هياكل عدة. يتقدّمها مدخل خشبي مزجج مستطيل الشكل، فباب رئيس محاط بالرخام الملوّن، وفي أعلى الوسط لوحة رخاميّة مزخرفة جاء فيها باليونانية وبترجمتها العربية: «أنا أقول لك أنت الصخرة وعلى هذه الصخرة سأبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها»، ثم ضمن مستطيل رخامي إنجيل مفتوح محفور بالرخام، وتحته النصّ التالي: «بُنيت هذه الكنيسة الكاتدرائيّة على تذكار انتقال السيدة المجيدة الدايمة الشفاعة في عهد بطريركية الحبر الجليل الشهير المثلث الرحمات السعيد الذكر السيد مكسيموس مظلوم سنة ١٨٣٤، وسنة ١٨٦٥ تجدّد بنائها في عهد بطريركية الحبر العلامة المفضال الفهامة السيد الجليل النبيل البطريرك غريغوريوس يوسف الأول المتولي سعيداً أطال الله أيام رياسته. ويعلو الباب نصف طاسة رخامية. وتظهر على العمود كتابة إلى اليمين مؤرّخة عام ١٨٨٨، وكتابة أخرى إلى اليسار. وفي جانبيّ الباب أيقونة فنية قديمة مؤطّرة خشبياً للقديس جاورجيوس مؤرخة ١٨٧٨ (إلى اليمين) وأخرى للسيّدة الحنونة مؤرّخة ١٨٧٧ (إلى اليسار). أمّا الباب الرئيسي المغطّى بالنحاس المطرّق والمزخرف المتضمّن في كل من الدرفتين ثلاث طبقات متناظرة من الأعلى إلى الأسفل: الصليب فكأس القربان فسلّة ورود، ويرقى تاريخه إلى عام ١٨٩٠.

   حارة الزيتون دمشق - سوريا- كنائس دمشق الكنيسة من الداخل فخمة ضخمة غنيّة بالإيقونات. نمطها بازيلكي تقسم صحنها إلى ثلاث أسواق أربعةُ أعمدة كاملة ونصفا عمودَين بارزين في كلّ من جانبي السوق الوسطى تحمل العقود من الجهات الأربع، وكذلك في السوقين الجانبيّتين. والأعمدة ضخمة مستديرة بحجارة بازلتية سوداء اللون تيجانها مزخرفة. وللكنيسة بابان جانبيان من الجنوب والشمال. أرضيّتها رخاميّة، ينتشر فيها صفّان من المقاعد في السوق الوسطى، وصف في كل من الجانبيّتين، ويحيطها من الجنوب والغرب والشمال كراسي لصيقة الجدران. وفي الطابق الثاني تمتدّ الشعاري الكبيرة في الجهات الآنفة الذكر وتطلّ على الكنيسة كلّها مع درابزين حديدي مفسّح. ويرتفع على العمود الثالث، يميناً ويساراً، قنديل خشبي يُصعَد إليه بدرج لولبي خشبي وفي طرف شرفته إيقونات خشبيّة صغيرة للإنجيليين الأربعة والسيد المسيح وبعض الرسل... القبة نصف مستديرة قبوتها ملساء تستند إلى رقبة مضلّعة باثني عشر ضلعاً منوفذاً بزجاج ملون وفي زواياها الأربع رسوم جدارية للإنجيليين الأربعة. وفي وسط القبوة صليب بيزنطي الشكل ذو أربع أذرع متساوية. وفي موضع الخورص كراسي وقرّايتان في الجانبين، وفي الطرف الأيسر الأمامي عرش الأسقف، وفي صدر الإيقونسطاس إلى اليمين العرش البطريركي تعلوه مظلة خشبية... وتنتشر في جدران صحن الكنيسة هياكل رخامية كثيرة، منها كبيرة ومنها صغيرة، تحوي إيقونات للقدّيسين وللسيدة العذراء ولمشاهد من حياة السيد المسيح... وتتوزّع الشبابيك على الوجه التالي: اثنان في الجهة الغربية، وثلاثة في كل من الجنوبية والشمالية. وإلى جانبي الكنيسة الرئيس النحاسي طاولتان خشبيّتان مستطيلتا الشكل لوكلاء الكنيسة... 

    يفصل الصحن عن قُدس الأقداس إيقونستاس رخامي أبيض اللون جميل جداً مزخرف بتزيينات ودانتيلات ووردات (هي ختم/توقيع الفنان من آل وردة الدمشقي)، له تسع فتحات (ثلاثة أبواب نحاسيّة كبيرة – أكبرها «الباب المقدّس» الرئيسي في الوسط وهو بدرفتين حُفر فيهما الإنجيليين الأربعة – وبجانب كل منهما بابان). يُصعد إليه بثلاث درجات رخامية طويلة. ويحوي في طبقته السُفلى سبع إيقونات كبيرة والعرش البطريركي، وفي العُليا ٣١ إيقونة متوسّطة الحجم تتوسّطها أيقونة السيّد المسيح وإلى جانبيه الرسل الاثنا عشر فالأعياد السيّديّة وبعض القدّيسين... وفي الأعلى ثلاثة صلبوتات خشبية. يُذكر أن إيقونات الإيقونسطاس تنتمي كلّها إلى الفنّ الروسي.كنيسة الزيتون- سيدة النياح- دمشق - سوريا

    يشمل قدس الأقداس على ثلاث موائد مقدّسة: الكبيرة الوسطى المربّعة الشكل رخاميّة مفرّغة من الداخل حديثة جداً (عام٢٠٠٤)، والجانبيّتان رخاميّتان ترتفع فوق كلّ منهما أربعة أعمدة رخاميّة رشيقة تحمل مظلّة رخامية فارغة، وعلى المائدة الشماليّة بيت القربان. ووراء، المائدة المقدسة الوسطى حنية نصف مستديرة كبيرة تعلوها طاسة وفي أسفلها يتصدّر العرش البطريركي الخشبي الجميل يُصعد إليه بأربع درجات وإلى جانبيه كراسي الكهنة، وفي الجدار الشرقي حنيتان جانبيتان فوق كل من هذه الحنايا ثلاث نوافذ مزججة ملوّنة على شكل الصليب عدا الوسطى فهي لوزيّة الشكل، وفي الجدار الجنوبي والشمالي طاقة بيضوية شاقوليه الشكل. وفي جدران قدس الأقداس مذبحان متناظران، وهياكل رخاميّة مزخرفة تتضمّن إيقونات تمثل العشاء السري وظهور يسوع لتلميذي عمّاوص والسيدة العذراء والقديس جاورجيوس... وإلى الجنوب الشرقي من الكنيسة السكرستيا المجدّدة سقفها عقود وقد أزيلت عنها القشرة فيتكوّن نصفها السفلي من الحجر البازلتيّ الأسود والعُلوي من حجارة مرصوفة وعقود، وفيها جرن العماد المقدّس. ولصيق السكرستيا وخلف الحنية متحف ديني يشتمل على إيقونات سورية وأورشليمية قديمة قيّمة – من النصف الثاني من القرن التاسع عشر – وأواني مقدّسة...

 

طروباريّة شفيعة الكنيسة: في ولادتِك حفِظتِ البتوليّة وفي رقادِكِ ما تركتِ العالم يا والدة الإله، فإنّكِ انتقلتِ إلى الحياة بما أنّك أمّ الحياة، وبشفاعتِك تنقذين من الموتِ نفوسنا.

 

المراجع:

      ١- منقول عن كتاب " كاتدرائيّة سيّدة النياح – دمشق"، الدكتور وسام بشارة كبكب، ص٣٣ – ٤٢.

    ٢- منقول عن كتاب " أديرة وكنائس دمشق وريفها"، الأب الدكتور متري هاجي أثناسيو، ص ٦٣ – ٦٦.

تابع أيضاً

رح نرجع نعمرها

صاحب الغبطة وصاحب السيادة يحتفلان بالقداس الإلهي في كنيسة القدّيس ....

10 تشرين ثاني 2020
عيد القدّيسة صوفيا وبناتها إيمان ورجاء ومحبّة

صاحب الغبطة يحتفل بعيد القدّيسة ....

17 أيلول 2020
عيد الصليب المقدّس

صاحب الغبطة يحتفل بعيد الصليب المقدّس في بلدة معلولا - ريف ....

14 أيلول 2020
ميلاد السيّدة العذراء

صاحب الغبطة يحتفل بعيد ميلاد السيّدة العذراء في كاتدرائيّة ....

8 أيلول 2020
عيد رُقاد وانتقال السيّدة العذراء

صاحب الغبطة وصاحب السيادة والكهنة يحتفلون بعيد ....

15 آب 2020
نداء

صاحب الغبطة يوجّه نداء عالمي لدعم أهل بيروت عقب تفجير مرفأ بيروت

12 آب 2020
يوم افتقاد

صاحب الغبطة يتفقّد المتضرّرين من جراء كارثة مرفأ بيروت

8 آب 2020
عيد التجلّي

صاحب الغبطة وصاحب السيادة يحتفلان بقدّاس عيد تجلّي الرب في كاتدرائيّة ....

6 آب 2020
يا والدة الإله الفائقة القداسة خلصينا

صاحب الغبطة وصاحب السيادة يحتفلان بالقدّاس ....

2 آب 2020


تابعونا على مواقع التواصل الأجتماعي

© 2024 -بطريركية الروم الملكيين الكاثوليك