جرائم الشرف
من وجهة نظر الدين المسيحي
الأرشمندريت أنطون مصلح
ما هو الزنى في الدين المسيحي، وهل هناك أحكام لإثباته، وما هو حكمه؟
إن الزنى بالمفهوم التقليدي هو العلاقة الجنسية (الفجور) التي ترتكب بين رجل وامرأة. أمّا في المسيحية فقد جاء السيّد المسيح ليُعيد الخلق إلى صفاء أصوله. إذ "خلق الله الإنسان على صورته ... ذكراً وأنثى خلقهم" (تك ١/٢٧). "يوم خلق الله الإنسان، على مثال الله عَمِله. ذكراً وأنثى خلقه، وباركه وسماه آدم يوم خُلِقَ" (تك ٥/ ١-٢).
والسيّد المسيح في عظته على الجبل يشرح بطريقة صارمة فكر الله: "سمعتم أنه قيل "لا تزن"، أمّا أنا فأقول لكم: إن كل من نظر إلى امرأة حتى يشتهيها، فقد زنى بها في قلبه" (متى ٥/٢٧-٢٨).
لقد فهم تقليد الكنيسة أن الوصية السادسة "لا تزن" تتناول كل وجوه الجنس الإنساني. لأن الدعوة المسيحية هي دعوة إلى القداسة والكمال. ففضيلة الطهارة إذن، تتضمن الشخص بكامله والعطاء بتمامه. لأن الطهارة التي يعيشها الإنسان ترجعه إلى صفاء الصورة التي خلق عليها والتي أضاعها في الخطيئة. ولا يمكن عيش الطهارة إلاّ بالسيطرة على الذات التي تقتضي جهداً طويلاً متكرراً متنامياً في كل مراحل الحياة مهما كانت حالة المؤمن سواء في العذرية أو في البتولية المكرَّسة أو في الزواج أي أن المتزوجين مدعوّون إلى أن يحيوا حياة الطهارة الزوجية. والآخرون يمارسون الطهارة في العفة.
ولقد عرّف التعليم المسيحي الكاثوليكي الزنى: "هذه الكلمة تعني الخيانة الزوجية. فعندما يعقد شخصان أحدهما على الأقلّ متزوج، علاقة جنسية بينهما، وإن كانت عابرة، فهما يرتكبان الزنى، والمسيح قد قضى على الزنى، وإن بمجرد الشهوة. والوصية السادسة والعهد الجديد يحرمان الزنى على الإطلاق. والأنبياء ينددون بجسامته، ويرون فيه صورة لخطيئة عبادة الأصنام".
"الزنى يخالف العدالة والذي يرتكبه يخون عهوده. ويجرح علامة العهد التي هي الرباط الزوجي، ويسيء إلى حقّ الزوج الآخر، ويضر بمؤسسة الزواج، بنقضه الاتفاق الذي هو في أساسه. إنّه يعرّض للخطر خير التناسل البشري، والأولاد الذين هم في حاجة إلى ثبات اتحاد والديهم." (العددين ٢٣٨٠-٢٣٨١).
- أمّا بالنسبة لأحكام إثباته فإن الشرع المسيحي لم يتناول هذه النقطة ويقبل بطرق الإثبات الدينية.
- أمّا عن حكم الزنى:
فكما سبق وذكرنا آنفاً فإن الشرع المسيحية يميز بالتوصيف وإن كان المضمون لا يختلف فالزنى يُطلق فقط إن كان الطرفان متزوجين أو أحدهما على الأقل. أمّا لغير المتزوجين فإنه يُسمى الفجور. وهو مرفوض تماماً كالزنى وقد ورد في الرسالة إلى الغلاطيين: "وأعمال الجسد بينة الفجور والنجاسة والعهر؛ وعبادة الأوثان والسحر؛ والعداوات والخصومات والأطماع؛ والمغاضبات والمنازعات والمشاقات والبدع؛ والمحاسدات والسُّكر والقصوف وما أشبه ذلك. وعنها أقول لكم، كما قلت أيضاً سابقاً إن الذين يفعلون أمثال هذه لا يرثون ملكوت الله". (٥/١٩-٢١).
هذا هو عقاب الآخرة أي الحرمان من الملكوت أمّا على الأرض فللمتزوج الانفصال عن زوجه مع حرمانه من كافة حقوقه ولدى بعض الطوائف يعاقب بحرمانه من الزواج مرة ثانية.
وإن كان متزوجاً أم لا فإن الزاني يحرم من التناول الأسراري وقد ورد في التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية: "..التسري، أو رفض الزواج بكونه زواجاً، أو العجز عن الارتباط بالتزامات طويلة الأمد. هذه الحالات كلها تنتهك كرامة الزواج؛ وتهدم فكرة الأسرة نفسها؛ وتضعف حس الأمانة. إنها تتعارض والشريعة الأخلاقية: فالفعل الجنسي لا مكان له إلاّ في الزواج؛ وخارجاً عنه يكون أبداً خطيئةً جسيمةً ويحول دون التناول الأسراري". (العدد ٢٣٩٠)
* بالنظر للواقع الحاصل والجرائم التي تقع على أيدي بعض الأفراد الذين اشتبهوا أو تأكدوا من ارتكاب إحدى قريباتهم لفعل الزنى، أو الزواج دون رغبتهم، أو الزواج بشخص على غير ملتهم، ما هو حكم الدين المسيحي عليهم أو ما هو العقاب الذي يجب أن يقع في حقهم؟
ورد في التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية: "حياة الإنسان مقدسة، لأنها منذ أصلها اقتضت عمل الله في الخَلْق، وهي تبقى أبداً على علاقة خاصّة بالخالق، غايتها الوحيدة. الله وحده سيّد الحياة منذ بدايتها إلى نهايتها: وليس لأحد في أيّ ظرف من الظروف أي يدّعيَ لنفسه الحقّ في أن يدمر مباشرة كائناً بشرياً بريئاً." (عدد ٢٢٥٨)
وقد حدد حالات القتل بالدفاع المشروع عن النفس عندما لا تتوفر رسائل غير دموية كافية لرد المعتدي وحماية أمن الأشخاص. وبالإجهاض عندما يكون الخيار بين حياة الأم وحياة الجنين فيستطيع الوالدان اختيار حياة الأم. وبالميتة الميسرة أو (الموت الرحيم) بالتوقف عن الإجراءات الطبية المكلفة والخطرة وغير العادية، أو التي لا تتناسب والنتائج المرتقبة، يمكن أن يكون شرعياً. إنه رفض "التعنت العلاجي" فليست النية عندئذٍ التسبب بالموت، وإنما القبول بالعجز عن الحؤول دونه.
إن الوصية الخامسة "لا تقتل" تنهى عن القتل المباشر وعن عمد بكونه خطيئة جسيمة. فالقاتل ومن يشاركونه طوعاً بالقتل يرتكبون خطيئة تصرخ إلى السماء طالبةً الثأر".
وكذلك تمنع من عمل أي شيء بنية التسبب بطريقة غير مباشرة بقتل شخص. وتمنع الشريعة الطبيعية تعريض إنسان دون سبب جسيم لخطر الموت، ورفض مساعدة شخص في خطر." (العددين ٢٢٦٨-٢٢٦٩).
هل وجهة نظر الدين المسيحي تتوافق مع تخفيف العقوبة في حق القائم بهذه النوعية من الجرائم ؟
إن المادّة ٥٤٨ تنصُّ في بندِها الأولِ على ما يلي:
- يستفيدُ منَ العذرِ المحلِّ من فاجأَ زوجَه أو أحدَ أصولِه أو فروعِه أو أختَهُ في جرمِ الزنا المشهودِ أو في صلاتٍ جنسيةٍ فاحشةٍ مع شخصٍ آخرَ فأقدمَ على قتلِهِما أو إيذائِهما أو على قتلِ أو إيذاءِ أحدِهِما بغيرِ عمد.
أما البند ٢ من هذه المادّة، وهو الأخطرُ، فينصُّ على ما يلي:
- يستفيدُ مرتكبُ القتلِ أو الأذى منَ العذرِ المخفِّفِ إذا فاجأَ زوجَهُ أو أحدَ أصولِه أو فروعِه أو أختَهُ في حالةٍ مريبةٍ معَ آخر.
بكلِّ بساطةٍ، يكفي أن يرتابَ أحدُ أفرادِ الأسرةِ بسلوكِ فتاتِهِم حتى تجيزَ لهُ القوانينُ قتلَها والاستفادةَ من العذرِ المخفِّف.
وبكلِّ بساطةٍ يكفي أن يقتلَ أحدُ أفرادِ الأسرةِ الفتاةَ، لأسبابٍ شتى، ماديةٍ أو غيرِها، ويُفلِتُ من العقابِ عندما يَعْزو الجريمةَ إلى سلوكِها الشائنِ المزعومِ، أو مفاجأتهِ لها في موقفٍ مريبٍ، مزعومٌ هو الآخرُ. ويكونُ الحلُّ الأمثلُ للإفلاتِ من العقابِ، والمخفِّضُ إلى الحدودِ الدنيا بسببِ العذرِ المخفِّفِ، هو أن يقومَ شقيقُها الحدثُ – إن وجِدَ – بقتلِها، فالاجتهادُ القضائيُّ ينصُّ على أنَّ " الدافعَ الشريفَ والقصرَ من الأمورِ القانونيةِ الموجبةِ لتخفيضِ العقوبة، وعلى المحكمةِ أن تبحثَ عن الطريقِ الأرحمِ لتطبيقِها".
وقد عرَّفتْ محكمةُ النقضِ السوريةُ الدافعَ الشريفَ على أنّهُ " عاطفةٌ نفسيةٌ جامحةٌ تسوقُ الفاعلَ إلى ارتكابِ جريمتِه تحتَ تأثيرِ فكرةٍ مقدسةٍ لديهِ، ولذلكَ فإنَّ واضعَ القانونِ قد لحظَ هذا الدافعَ ولم يتركْهُ لتقديرِ القاضي وقناعتِه بل نصَّ على اعتبارِه سبباً مخففاً قانونياً لابدَّ من تطبيقِه (نقض سوري – جناية ٢١٧ قرار ٦١٩ تاريخ ١٧/٦/١٩٦٧ – منشور في قانون العقوبات لأديب استانبولي – ١٩٩٠ القاعدة ١٤٦٧)
أبهذهِ البساطةِ تُزهَقُ الروحُ البشرية، وتُحرَمُ فتاةٌ من حقِّها في الحياة؟
كلُّنا ضدَّ القتل، سواءٌ من الناحيةِ الإنسانيةِ أو من الناحيةِ الدينيةِ، تطبيقاً لوصيةِ الله تعالى "لا تقتل". الله هوَ وحدَهُ واهبُ الحياةِ وهوَ وحدَهُ الذي يملِكُ سلطانَ أخذِها.
ومن وجهة نظرٍ شخصية، وإنسانية فقط، اقترح إلغاء الفقرة الثانية من المادّة ٥٤٨ مع إمكانية الإبقاء على الفقرة الأولى ولكن بجعلها أعذاراً مخففة وليست محلة.