إجهاض الأجنة المشوهة
المطران جوزيف العبسيّ
سؤال غالباً ما يطرح: هل يحقّ لنا إجهاض الجنين، لا سيما إذا علمنا علم اليقين أنّه سوف يولد مشوّهًا؟ ما جواب الكتاب المقدّس؟ ما جواب الكنيسة؟
١- بعض المبادئ العامة
لا تقتل (الوصية الخامسة). هذه هي الوصية الإلهية. إنّ هذه الوصية مطلقة، غير مرتبطة بشروط أو ظروف. إنّ القتل المتعمّد حرام في جميع مراحل الحياة ومهما كان السبب، أكان وسيلة أم غاية. لا بل المسيح قد ذهب إلى أبعد من ذلك حين قال: "سمعتم أنّه قيل للأقدمين لا تقتل، فإنّ من قتل يستوجب المحاكمة. أمّا أنا فأقول لكم إنّ كُلّ من غضب على أخيه يستوجب المحاكمة، ومن قال لأخيه راقا (رأس فارغ) يستوجب حكم المحفل، ومن قال له يا معتوه يستوجب "جهنم النار" (متى ٥:٢١-٢٢).
مع ذلك لا نجد في الكتاب المقدّس نصوصًا واضحة عن تحريم الإجهاض المتعمّد. إلاّ أنَّنا نقع على آيات لها دلالات كبيرة في هذا المعنى: "رأتني عيناك جنينًا وفي سفرك كتبت جميع الأيام وصوّرت قبل أن توجد" (المزمور ١٦:١٣٩)، "قبل أن أصوّرك في البطن عرفتُك وقبل أن تخرج من الرحم قدَّستُك وجعلتك نبيًا للأمم" (إرميا٤:١). والقدّيس بولس يخبرنا "أنَّ الله قد فرزه من جوف أمه" (غلاطية ١٥:١).
إنَّ إجهاض الأجنَّة ولو مشوّهة محظَّر للأسباب الرئيسية التالية:
١- إنَّ الله هو سيّد الحياة والإنسان مؤتمن عليها وحارس لها.
٢- إنَّ لكلّ شخص بشري كرامة هي من كرامة الله لأنَّ الإنسان مخلوق على صورة الله تعالى.
٣- إنَّ لكلّ إنسان أيًا كان الحقّ في الحياة، ولا يسع أحّدًا أن يسلبه هذا الحق أو أن يكون قيّمًا عليه.
٤- إنّ حياة الإنسان مقدّسة.
٥- إنّ الإنسان هو غاية وليس وسيلة.
٦- إنّ الجنين منذ تكوينه الأوّل هو إنسان كامل وليس كتلة من لحم وعظام.
٧- إنّ الضعيف يستحقّ الاحترام ومن واجبنا الدفاع عنه ومساندته.
٨- إنّ الألم في المفهوم المسيحيّ له قيمة خلاصية منذ أن احتمل السيّد المسيح الألم برضاه، وجعل منه، لمن يعرف أن يقبله كما قبله هو، وسيلة فداء وخلاص.
٩- إنَّ الأخلاق المسيحيّة مثال نسعى إلى تحقيقه في حياتنا وإن كنا عاجزين في بعض أغلب الأحيان عن تحقيقه. إن عجزنا عن تحقيق المثال المسيحيّ الأخلاقي لا يجيز لنا أن نتخلّى عن هذا المثال أو ننحدر به إلى مستوى استطاعتنا.
١٠- إنّ الإجهاض هو إذن جرم.
بعض الأسئلة
وهنا لا بدَّ من طرح بعض التساؤلات التي تشغل البال في ما يخص السماح بإجهاض الأجنَّة المشوَّهة:
١- ما المقياس الذي نعتمده للجوء إلى إجهاض الأجنَّة المشوَّهة؟ هل نلجأ إلى الإجهاض إن كان الجنين سيولد أعمى أو أقطع أو أعرج؟ أليس من خطر شديد أن نجعل، رويدًا رويدًا ومع مرور الزمن والترداد، من تصرّفٍ فردي قانونًا؟
٢- إذا تعرّض إنسان لتشوه كبير بعد الولادة هل نتخلَّص منه؟
٣- ألا تشوّه الحروب التي تدور رحاها هنا وهنالك أناسًا أكثر من المشوَّهين منذ الولادة؟
٤- أين نقف في تخلّصنا من المتشوّهين؟ وهل التشوّه الجسدي هو التشوّه الوحيد؟ أليس لدينا تشوّهات عقلية ونفسية (الجنون والغباء...) واجتماعية (الفقر والبطالة واللجوء والجوع وما شابه...) هل نتخلَّص منها لأنّها تزعجنا؟
٥- هل تصرف الحكومات على المشوَّهين بالولادة ما تصرفه على التسلح والحروب؟
بعض الحلول
فعوضًا عن أن نلجأ فورًا إلى إجهاض الأجنَّة المشوَّهة لا بدَّ من العناية بأمور تساعد على تجنبه، أهمّها:
١- العمل على تحسين البيئة والصحة.
٢- تشجيع وتمويل الأبحاث العلمية.
٣- التربية على تقبّل الألم والضعف، حين يعرضان في الحياة، بمحبّة وسلام وفرح، لأنَّهما يصبحان وسيلة خلاص إن فعلنا ذلك.
دور الضمير وسرّ التوبة
إنَّ للضمير في الأمور الأخلاقية دورًا، كذلك الوسائل التي تقدمها الكنيسة.
فعندئذ اتخاذ القرار لا بدَّ في النهاية من الرجوع إلى الضمير والاحتكام إليه. لكن الضمير نفسه هو أيضًا في حاجة إلى تنوير في بعض الأحيان إن لم يكن في كثير منها.
ومع ترك الأمر في النهاية للضمير نترك الأمر أيضًا لرحمة الله تعالى.
وإلى ذلك فإنَّ طريق التوبة والعودة إلى الله مفتوحة وسالكة دومًا، ويسع كلَّ إنسان ارتكب إجهاضًا أن يندم ويتوب إلى الله وينال الغفران في سرّ المصالحة أو التوبة.
دور الدولة
إنَّ تشريع الحكومات والدول يجب أن يساعد الإنسان على تربية ضميره ومجتمعه على المستويَين الإنساني والأخلاقي، إذ ليست جميع المحاولات التشريعية حسنة على المستوى الأخلاقي، والخوف هو أن يهمل المشترع هذه الناحية ويبني قوانينه على عادات شائعة تأصَّلت في المجتمع شيئًا فشيئًا من دون أن يكون لها بعد أخلاقي سليم.
إنّ الأنظمة أو الدول أو الحكومات التي تشرع الإجهاض هي مسؤولة.
عامل الوقت
إنَّ الوقت يسهم في تصفية الأمور ويساعد على بلورة الأحداث وتوضيحها. لذلك فإنَّ التجارب التي تجري في المختبرات تحتاج دومًا إلى المزيد من الوقت كي تجد مكانها وتحدّد مسارها، فلا يسعنا أن نحكم مسبقًا ولا سريعًا على أخلاقية تجربة قبل التيقّن من سلامتها وإفاتدتها.
القاعدة الذهبية
ولنتذكّر دومًا القاعدة الذهبية التي وضعها لنا القدّيس بولس بقوله: "إن كان كلّ شيء يجوز فليس كلّ شيء ينفع".