المسبحة الشرقيّة
الأب جان حنَّا
يكثر الحديث والجدال حول المسبحة الشرقيّة المؤلّفة من ثلاث وثلاثين حبّة، ويطرح حولها العديد من الأسئلة: هل هي للتسلية أم لها رمز معيّن؟ ولم هي مقسّمة بالشكل التي هي عليه؟
تعتبر المسبحة الشرقيّة من الرموز المسيحيّة التي كاتب منتشرة في القرون المسيحيّة الأولى، أعني في عهد الاضطهاد، حيث استعملها المسيحيّون علامة ليعرف بعضهم بعضًا عوضًا عن الصليب. ففي تلك الأيّام ما كان المسيحيّون يستطيعون أن يجاهروا بدينهم ولا أن يمارسوا شعائرهم الدينيّة في العلن، ولا أن يحملوا علامة تدلّ عليهم، فكانوا يلجئون إلى طرق وأساليب سرّيّة يتعرّفون بها بعضهم على بعض، وكان من بينها المسبحة الشرقيّة التي تحوّلت مع الوقت إلى أداة تسلية من دون أن تعرف المعاني التي تحملها.
للمسبحة الشرقيّة إذن رموز لاهوتيّة، وكان حاملها، في ظنّ المؤمنين، يعلن بطريقة خفيّة إيمانه بالإله الواحد، وبالثالوث الأقدس، وبالربّ يسوع المسيح، وانتماءه إلى الكنيسة المقدّسة.
وهذه هي رموز المسبحة الشرقيّة:
تتألّف المسبحة من ثلاث وثلاثين حبّة وهي عدد سنوات السيّد المسيح.
١- تقسم المسبحة إلى ثلاثة أقسام متساوية إشارة إلى الثالوث الأقدس، الآب والابن والروح القدس.
٢- إن ّالأقسام المتساوية مجموعة إلى حبّة واحدة أكبر من سائر الحبّات ولكنّها من ذات الطبيعة، إشارة إلى الإله الواحد في ثلاثة أقانيم، الآب والابن والروح القدس. وهذا إعلان البسملة.
٣- تفصل أجزاءً المسبحة الثلاثة حبّتان تختلفان بالشكل عن سائر الحبّات ولكنّهما تشبهانها بالطبيعة، وتحيطان في الوقت عينه بالجزء الأوسط، أو الثاني، أعني بالأقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة أي الابن، وذلك رمز للطبيعتين والمشيئتين الإلهيّة والبشريّة اللتين في السيّد المسيح ابن الله.
٤- في نهاية المسبحة خيوط وحبّات مجموعة إلى حبّة واحدة رئيسيّة. أمّا الحبّة فترمز إلى الكنيسة الواحدة، وأمّا سائر الحبّات والخيوط فهي ترمز إلى جماعة المؤمنين الذين يؤلّفون أعضاء الكنيسة والذين يتّحدون بعضهم ببعض في وحدة متناغمة من خلال الحبّة الرئيسيّة.
اعتمادًا على المعاني التي أظهرنا أنّ المسبحة الشرقيّة تنطوي عليها، نعود ونؤكّد أنّ هذه المسبحة كانت من الرموز المسيحيّة التي انتشرت في العصور المسيحيّة الأولى، وأنّ حاملها في ذلك الوقت كان يعلن بطريقة خفيّة إيمانه بالإله الواحد وبالثالوث الأقدس وبالربّ يسوع المسيح، وكذلك انتماءه إلى الكنيسة الواحدة.
في النهاية أوجه دعوتي إلى جميع الذين يحملون هذه المسبحة إلى الانتباه إلى معاني هذه المسبحة، وجعلها مسبحة للصلاة عوضاً عن التسلية، فهناك العديد من الصلوات التي يمكن تلاوتها من خلالها فتكون بذلك قد حققت لنا الفائدة الروحية والمادية معاً. ومن هذه الصلوات:
- يا يسوع ابن الله الحي ارحمني
- اللهم اغفر لي أنا الخاطئ وارحمني
- يا قلب يسوع الأطهر خلصني
وغيرها من الصلوات التي تعود علينا بالنعم والبركات الإلهية.