فن تنقيَّة القلب
الأب د. شحادة عبود
هذا الكتاب هو مدرسة روحيّة نسكيّة تصوفيّة بامتياز. وهو موسوعة من النصائح الضروريّة للحياة الروحيّة وللكمال المسيحي. ويحتوي على غذاء روحي يناسب الرهبان والنسّاك والكهنة والرهبان والراهبات. لا بل يصلح أيضاً للمؤمنين العلمانيّين الأتقياء، الراغبين في نموِّ حياتهم الروحيّة.
إنّه كتاب صعب. ولكنَّه مع ذلك يتميّز ببساطة النصائح الروحيّة التقويّة التي تنفع المؤمن في مسيرته الروحيّة.
آمل أن يجد مكانه، لا سيّما في مكتبة الكهنة والرهبان والراهبات. في الواقع قلّما نجد كتاباً بهذا التوجُّه الروحي النسكيّ التصوّفي الصافي.
يمكن أن نختصر هذا الكتاب بالقول بأنّه جواب عمليّ لطوبى يسوع الذي قال لنا: "طوبى لأنقياء القلوب فإنّهم يعاينون الله". واستجابة لما نطلبه في المزمور الخمسين: "قلباً طاهراً اخلق فيَّ يا الله. وروحاً مستقيماً جدِّد في أحشائي... وروحك القدّوس لا تنزعه منّي". لا بل هو دعوة لعلاقة حميميّة مع الله، فيها القلب ينسكب أمام الله، في شغف روحيّ، طالما تعبِّر عنه صلواتنا الطقسيّة. والمؤسف أنّ النصوص الطقسيّة المشرقيّة قليلة أو معدومة في الكتاب. ويا ليتك تضع في الحواشي الثمينة التي أضفتَها إلى نص الكتاب بعضاً من النصوص الليترجيّة. التي هي حقّاً تعبير عن صلاة القلب. وهي تأمّل روحيّ لاهوتيّ كتابيّ يرافق صلاة المؤمنين، ولا سيّما الكاهن والراهب والراهبة والمكرّس والمكرّسة، من خلال الصلاة الطقسيّة اليوميّة.
وفي الواقع الكتاب تعبيراً عن روحانيّة صلواتنا الطقسيّة الرائعة. فهي حقاً مرقاة روحيّة ومدرسة لصلاة القلب، ولإتقان سرّ وفن تنقية القلبّ. هذه الحياة الروحيّة ونقاء القلب والعيون التي ترى الله، هذا كلّه هو عمل الروح القدس الذي إذا هبَّ في إنسان يجنّحه ويرقّيه في العلويات. إذ "بالروح القدس تحيا كلّ نفس، وبالتنقية تسمو وتزهو سرّياً بالثالوث الواحد" (مراقي اللحن الرابع) لأنّ "الروح القدس هو الإله والحياة والحب والنور والعقل والجودة". (مراقي اللحن الخامس) وبالروح القدس "يتمّ للجميع التألّه والفهم والسلام والبركة" (مراقي اللحن السادس). وبهذا الروح عينه "ينعم بالمشاهدة كلّ إنسان متألّه" (مراقي اللحن الثامن).
إلى عنوان هذا الكتاب الروحيّ، يشير نشيد عيد العنصرة، الذي يصف عمل الروح القدس في النفس المؤمنة، حيث نقرأ: "إنّ الروح القدس نور وحياة، وينبوع حيٌّ عقليٌّ. روح حكمة، روح فهم، صالح مستقيم، عقليٌّ، مرشدٌ، مطهّر للهفوات، إلهيّ ومؤلّه، نار صادرة من نار. متكلّمٌ فاعلٌ. موزّع للمواهب. إنّه سمعة غريبة! رؤية غريبة. نار مقسومة لتوزيع المواهب" (قطعة الباكرية في عيد العنصرة). وبهذا المعنى تخاطب الكنيسة المسيح الناهض من القبر بهذه الروحانيّة "القلبيّة": "أيُّها المسيح بما أنّك إله. آمنّا بكَ بشوق القلب. ولو لم نشاهدك بالأبصار" (تاسعة قانون أحد توما).
وبهذا الشوق وبهذا الإيمان يمكننا كما يقول القديس بولس "أن ندرك مع جميع القدّيسين من محبّة المسيح، ما العرض وما الطول وما العلوّ والعمق. وندرك تلك المحبّة التي تفوق كلَّ إدراك. فنمتلئ من كلِّ ملء الله" (أفسس ١٨:٣-١٩) ومثل موسى الذي أنحجب في الغمام الإلهيّ. ونفض الحمأة عن عين العقل. فعاين الكائن. وحاز معرفة الروح. منشداً التسابيح الإلهيّة: (التسبحة الأولى من قانون أحد العنصرة).
إنّ القلب لا يتوقّف أبداً عن النبض ما دُمنا أحياء لأنّه يخلق مشاعر الفرح والحزن وغيرها والتي تُظهر على وجهنا ابتسامة ودموعاً وغيرها من تعابير إنسانيّة. نعم بقدر ما نكون شفّافين بقدر ما يتجلّى الله فينا لأنّه يريد أن يكلّم الإنسان في حميميّته أيْ في قلبه الذي هو العضو الأساسيّ لفهم كلمة الله وفيه يعبّر الإنسان عن فرادته.
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلّف
بطريركيّة الروم الملكييّن الكاثوليك
باب شرقي، دمشق ص. ب. ٢٢٢٤٩