الله محبَّة، والإنسان المُحبْ
الأب جان حنَّا
الله محبَّة فمن أقام في المحبَّة أقام في الله وأقام الله فيه. هذا ما يقوله لنا القدّيس يوحنا الإنجيلي في رسالته الأولى، مصوراً لنا جوهر الله.
كثيراً ما يتبادل الناس فيما بينهم عبارة أنا أحبّك، أو أنا أحبّكم، ولكن لا ندري ما عمق هذه الكلمة، وما صداها في قلب المتكلم، وقلب المتلقي، هل هي فقط مجرد عبارة رنانة نرددها لنجامل فيها بعضنا البعض؟ أم هي تعبير عن مكنونات ما يدور في قلوبنا؟ أم هي تعبير عن اتحادنا بالله تعالى؟
يقول لنا الرب يسوع المسيح في إنجيله المقدَّس: "ليس كل مَن يقول يا رب يا رب يدخل ملكوت السماوات، بل الذي يسمع كلمة الله ويعمل بها" (مت٧: ٢١). أي مَن يُجسِّد كلمة الله، ويحولها إلى فعل، حتى لا تبقى حيز الحرف، فتفقد معناها الحقيقي، وتبقى مجرَّد كلمة يتغنى فيها البعض.
من هنا ندرك أنه يجب علينا أن نُترجم محبَّتنا هذه إلى أفعال نقوم بها تجاه إخوتنا البشر، نحبهم، نهتم بهم، نرعاهم، نقف إلى جانبهم في أوقات المحن، نبذل أمامهم أي شيء، نسامحهم، نقوّي ضعفهم، لا نتكبر عليهم ولا نتفاخر.
فالإنسان المحب يقبلك كما أنت.
الإنسان المحب يشجع ما هو حسن لدى الآخر.
الإنسان المحب يهتم بالآخر ليعطي الأفضل.
الإنسان المحب يواكب الآخر في عمق مشاعره.
الإنسان المحب يشجع الآخر على الثقة بنفسه.
الإنسان المحب حليم في تعامله مع الآخرين.
الإنسان المحب يضحك دائماً للآخرين ولا يضحك أبداً على أحد.
الإنسان المحب يبحث عما هو حسن وجميل لدى الآخرين ويجده.
الإنسان المحب يجعل الآخرين يفرحون بما هم عليه.
الإنسان المحب يغض النظر عن صغائر وضعف الآخرين.
الإنسان المحب يصلي كي يلبي الله حاجات الآخرين وينميها.
الإنسان المحب يشارك الآخرين في أعماق ذاته.
الإنسان المحب يقول للآخرين الحق في كل حين وبصدق.
الإنسان المحب يقدر الآخرين في قوتهم، ويقبلهم في ضعفهم، ويتفهمهم في أيامهم الصعبة.
هذه الأفعال التي يقوم بها الإنسان المحب هي ترجمة لما يطلبه منا القدّيس بولس الرسول في رسالته إلى أهل رومة (١٣/٨-١٠). "لا يكونَّ عليكم لأحدٍ دينٌ إلا حُبُّ بعضِكُم لبعض، فمن أحبَّ غيره أتمَّ الشريعة، فإنَّ الوصايا التي تقول: (لا تزنِ، لا تقتل، لا تسرق، لا تشتهِ...) وسواها من الوصايا، مجتمعةٌ في هذهِ الكلمة: "أحبب قريبَكَ حُبَّكَ لنفسِكَ". فالمحبّة لا تنزل بالقريب شراً، المحبّة هي كمالُ الشريعة.
من هذه الآيات المقدَّسة والجميلة، أتوجه إليكم أيها الإخوة والأخوات الأحباء بـأسمى آيات الحب والتقدير، وأدعوكم لكي نترجم هذه الآيات إلى أفعال حب تدل على عمق اتحادنا بالله، فالله خلق البشر بفعل حب، وليشاركهم هذا الحب. وخلصهم بدم ابنه الوحيد بفعل حب أيضاً، لكي لا يهلكوا، ولكي يبقى هناك مَن يشاركه في هذا الحب.
والرب يسوع المسيح يطلب منا نحن البشر أن نحب بعضنا البعض، وأن نترجم هذه المحبَّة لفعل حب، ويقول لنا أننا من محبتنا لبعضنا البعض يعرفوننا أننا تلاميذه، وهذه هي أهم صفة يجب أن يتحلى بها الرسول أو التلميذ. ونحن خلفاء الرسل، تلاميذ السيد المسيح، يجب أن نحمل رايتهم، معلنين بشارة السيد المسيح لجميع العالم من خلال محبتنا، ومن خلال ترجمتنا لهذه المحبَّة لأفعال حب نتبادلها فيما بيننا، لنكون شهود حقيقيون للسيد المسيح، ولأنه من هذه المحبَّة فقط يعرفوننا أننا تلاميذه ورسله، وأننا نعمل مشيئته، ومشيئة الله الآب الذي أرسله، في هذا العالم فيهتدي من خلالنا جميع شعوب العالم إلى ميناء الرب المقدَّس، ونتحد وإياهم في الله، ونُقيم في الله، ويُقيم الله فينا من خلال المحبّة.