القدِّيس العظيم في الشُّهداء جاورجيوس اللّابس الظفر
الأب الدكتور شحادة عبّود عبّود
نحتفل بالفرح بعيد القدّيس جاورجيوس شفيع ثلاث كنائس في أبرشيتنا الدمشقيّة المباركة والعزيزة على قلوبنا جميعًا وكنائس عديدة في العالم. وأجمل احتفال بالعيد هو أن نجتمع في الصلاة التي توحّدنا بعضَنا مع بعض وجميعَنا بالمسيح.
كان القدّيس جاورجيوس من الذين أنعم الله عليهم بأن يعيشوا إيمانهم المسيحيّ بعمق وجرأة حتّى الاستشهاد. لا تروي لنا سيرته أنّه أجرى في حياته معجزات. إنّما نعلم من النشيد الذي تنشده له الكنيسة، ومن سائر الصلوات أيضًا، أنّه كان رجل المحبّة وهو الضابط في الجيش الرومانيّ: "إنّك للأسرى معتق، وللمساكين مجير، وللسقماء طبيب، وعن الملوك مناضل". لا شكّ أنّ استشهاده استحقّ له القداسة، لكن مع هذا الاستشهاد ووراء هذا الاستشهاد كانت أيضًا المحبّة التي تحلّى بها ومارسها بسخاء بإزاء الآخرين مدّة حياته. لم يصنع معجزات في حياته، لكنّ المعجزة الكبيرة التي أجراها كانت هذه المحبّة.
إنّ المحبّة هي أكبر معجزة يستطيع الإنسان أن يصنعها، وهي كافية لأن تجعل منه قدّيسًا. إنّها الاستشهاد الحياتيّ اليوميّ في سبيل يسوع المسيح وسبيل الآخرين. وهذه العجيبة هي ممكنة للجميع. لم يطلب منّا السيّد المسيح بشكل مباشر أن نموت من أجله، لم يقل لنا اذهبوا وموتوا من أجلي، إنّما طلب منّا بشكل مباشر أن نحبّ بعضنا بعضًا وأن نحبّه.
من أجل ذلك فإن كان لنا أمثولة نأخذها من قدّيسنا جاورجيوس، وإن كان لنا وعد نعد به الله تعالى، فهو أن نجتهد بلا انقطاع ومن غير ملل في ممارسة المحبّة.
كان القدّيس جاورجيوس أيضًا من أصدقاء يسوع الذين تحلّوا بالأمانة والشجاعة حتّى الاستشهاد. لم يَخَفْ ولم يُخْفِ إيمانه ولم يستحيِ بيسوع مخلّصه. وسرّ أمانته وشجاعته هو إيمانه القويّ بأنّ يسوع المسيح هو ابن الله المخلّص، إيمانه القويّ بالرغم من واقع العذاب والموت الذي كان يراه بعينيه، تمامًا نظير أصدقاء يسوع وخصوصاً النسوة حاملات الطيب ويوسف الرامي ونيقوديموس الذين بقوا على إيمانهم بالسيّد المسيح بالرغم من أنّهم شاهدوه ميتًا بين أيديهم ووضعوه بأيديهم في القبر. إنّ القدّيس جاورجيوس يدعونا إلى أن نقوّي إيماننا ولا ندع شيئًا أو أحدًا يزعزعه أو يضعفه.
شفيعنا القدّيس جاورجيوس يشبه في موقفه موقف الأعمى الشجاع الذي تكلّم عنه الإنجيل. كان مثله شجاعاً ووفيّاً. اعترف بإيمانه ودافع عنه حتّى الاستشهاد لأنّه كان يرى في السيّد المسيح نور الحقيقة. وهو يدعونا إلى نعترف نحن أيضاً بيسوع ونقول له: أيّها السيّد، أنت هو نورنا، أنت شفاؤنا، أضىء قلوبنا وعقولنا، نقِّ أجسادنا، طهّر عواطفنا. نحن نؤمن بك إنّك مخلّصنا. إنّنا ما زلنا أوفياء لك وما زلت أنت هو إلهَنا ولا نعرف آخر سواك.
ألا شاء الله تعالى أن تكون أعيادنا عودة بالصلاة إلى الإيمان وتجديداً لحياتنا المسيحيّة، لكي نكون كما طلب السيّد المسيح منّا أن نكون، نورَ العالم كما أنّه هو نور العالم.
نبارك، ببركتنا الأسقفيّة، العمل الدؤوب الذي بذله بجهد ابننا المحبوب حضرة الأب د. شحادة عبود في وضع هذه الصلوات وترتيبها لتكون للجميع أداة صلاة وتأمّل تقرّبهم من الله النور الحقيقي وتحثّهم على عيش الإيمان نظير القدّيس جاورجيوس بلوغاً إلى القداسة التي هي هدف مسيرتنا على الأرض.
نرجو أن يجني القارئ الفائدة التي توخّاها الكاتب من خلال هذه الصفحات الروحيّة، وليباركنا الله الآب والابن والروح القدس ويديم نعمه علينا. آمين. (المطران جوزيف العبسي)
كثيرةٌ هي المقولات الشعبيّة التي تعبّر عن الإيمان الشعبيّ التقويّ بالقدّيس جاورجيوس اللابس الظفر ومنها: "يا مار جريس الخيّال هزّ رمحك وأظهر قوتك" كما يقولون في حلب وكما علمنا أيضاً بأنّ العديد من المؤمنين يردّوها أثناء الخطر المحدق والمحيط بهم، "مار جريس حاضر ناضر" وغيرها "يا مار جريس دستورك زوّار وجايين نزورك" وأيضاً نسمع من النسوة "أويها يا خضر الأخضر، أويها يا ساكن الدير". وقد تألّفت هذه الجمل من جرّاء طلب شفاعة القدّيس، ولقد كان الإيمان الشعبيّ وما يزال يثبّت هذه الأقوال منادياً القدّيس حتى قبل أن يمتطي جواده، إذ إنّ الشعب المسيحيّ وغير المسيحيّ يؤمن بقوّة شفاعة القدّيس وحضوره الدائم إذ إنّه "سريع الندهة" لكلّ من يطلب تدخّله بإيمان.
تعتبر شفاعة القدّيس جاورجيوس، أمير الشهداء، قويّة فعّالة لأجل تقوية الإيمان، وتُطلب شفاعته أيضاً لأجل الجيش والفرسان والشباب والحركات الكشفيّة. وأيضاً يدعوا الشعب اسم القدّيس ضدّ الحيّات السامّة والإيدز والطاعون والبرص وأمراض الرأس كالجلطة والسرطان وغيرها من الأمراض العصبيّة. وفي بعض الدول السلافية ضد الساحرات، وهو أيضاً شفيع الحرّاس الشخصيّين. وأيضاً تُطلب شفاعته للحماية من البراكين.
لقد أردنا هذا الكتيب لنجمع فيه أغلب الصلوات المرفوعة للقدّيس جاورجيوس في أنحاء العالم وفي الكنائس المختلفة والطقوس المتعدّدة ولنضع بين أيدي المؤمنين صلوات جديدة غير منشورة باللغة العربيّة ومنها منشورة سابقاً.
تقال هذه التساعيّة، ومن اسمها أيّ الصلاة لمدّة تسعة أيام أيّ من اليوم الخامس عشر من نيسان إلى يوم عيد القدّيس جاورجيوس في الثالث والعشرين من نيسان، ويمكن للمؤمن أن يصلّي هذه الصلوات في أيّ وقت من السنة لينال العطايا الإلهيّة بشفاعة القدّيس جاورجيوس.
والجديد في هذه التساعيّة مع أنّها من الترتيب الليتورجيّ في الكنيسة اللاتينيّة لكنّنا أردنا أيضا أن نزخرفها بصلوات من ترتيب الطقس البيزنطيّ الذي يعتمد على التسابيح التسعة في قانون صلاة السحر.
فلتكن محبّة الله وشركة ونعمة الروح القدس وأخوّة يسوع المسيح مع جميعكم وليباركنا الله الثالوث بشفاعة العذراء مريم وجميع القدّيسين وخصوصاً القدّيس جاورجيوس، وأن يمنحكم العطايا والنعم الموافقة لكلّ من يؤمن ويصلّي بكلّ قلبه، لأنّ كلّ شيء ممكن للذي يؤمن.
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلّف
بطريركيّة الرّوم الملكييّن الكاثوليك
باب شرقي، دمشق ص. ب.٢٢٢٤٩