الخدمة
كيف يجب أن نخدم الآخرين؟
الأب جان حنَّا
في البداية يجب أن نعرف أن الخادم هو خادم الله وأنَّ الخدمة هي لله، وهنا نتذكَّر كلام القدِّيس بولس الرَّسول في رسالته الثانيّة إلى أهل كورنتس: "إننا نوصي بأنفسنا في كل شيء على أننا خدم الله" (٢كو٦: ٤). ويجب أن نعرف أيضاً أن هذه الخدمة تتم من خلال الآخر. وهذا الشيء يكون من خلال مساعدة الآخرين وتحقيق الفائدة والنجاح لهم.
هذه الخدمة فيها تمجيد لله ومرضاة له، وتطبيق لوصاياه. وخدمتنا هذه هي خدمة ليسوع المسيح بالذَّات، فهو نفسه يقول لنا: "كل ما فعلتموه بأحد أخوتي هؤلاء الصغار فبي قد فعلتموه" (مت٢٥: ٤٠).
ومن هنا وحتى تكون خدمتنا صحيحة ومفيدة، يجب أن نعرف كيف نخدم، ويجب أن تكون خدمتنا على الشكل التالي:
تقبل الآخرين كما هم، لا كما نريد نحن. ففي ذلك احترام لإنسانيته. نحاورهم ونصغي إليهم ونأخذ بآرائهم، لا نضع شروط لخدمتنا لهم، لا نحاول أن نفرض عليهم ما نحب، بل نتقبلهم كما هم حقيقة ونحاول أن نحقق فائدتهم من خلالهم، أي انطلاقاً من واقعهم ونموذج شخصياتهم. وكما يقول لنا القديس بولس في رسالته الثانية إلى أهل كورنتس "فإننا لا نجعل لأحد سبب زلة، لئلا ينال خدمتنا لوم" (٢كورنتس٦: ٣).
أن نخدم بإيمانٍ مطلق وصادق، بقيمة ما نقوم به لأجل الآخر. فكل ما نقدمه للآخر هو ذو قيمة كبيرة وضروري له يساعده في بنيان نفسه وذاته.
المبادرة بتواضع، فلا ننتظر الآخر ليبدأ الخطوة الأولى، فقد ينتظرنا هو أيضاً، وقد لا يفعل ذلك أبداً، بل يجب أن نكون نحن من يبادر بها. فالكبير والأول هو الخادم المتواضع. هذا ما يقوله لنا يسوع المسيح في إنجيل مرقس: (من أراد أن يكون كبيراً فيكم، فليكن لكم خادماً، ومن أراد أن يكون الأول فيكم، فليكن لأجمعكم عبداً" (مرقس١٠: ٤٣-٤٤).
أن نخدم بحب حقيقي وعميق يدفعنا للعطاء. فنعطي كل ما نستطيع من ما نملك من ( خبرات، معلومات، وقت، جهد...)، على أن يقترن عطائنا بالسخاء. أي لا نعطي القليل ونحتفظ لأنفسنا بالكثير، أو نعطي المهم ونحتفظ بالأكثر أهمية، بل يجب أن تكون خدمتنا كاملة. وهنا أيضاً نتذكر كلام القديس بولس: "فحسبي أن أتم شوطي وأتم الخدمة التي تلقيتها من الرب يسوع" (أعمال ٢٠: ٢٤). ووصيته لأرخبس من أجل أن يقوم بخدمته على أكمل وجه حيث يقول: "قولوا لأرخبس تنبه للخدمة التي تلقيتها من الرب فقم بها خير قيام" (كولسي ١٧:٤).
الهدوء في الخدمة، فيجب أن نبتعد عن الغضب والنرفزة والحماس الزائد عن حده. فكلها تسبب إساءات وخلافات ومشاكل. ولكن هذا لا يعني أن لا نكون حازمين وإنما بهدوء ووداعة وحكمة. وهذا لا يعني أيضاً أننا لا نغضب ولكن كما يقول لنا الرسول بولس في رسالته إلى أهل أفسس: "أغضبوا ولا تخطئوا" (أف٤: ٢٦). فذلك أفضل جداً.
الصبر في الخدمة، فهناك آلام، وتشهير، واضطهادات، وإساءات، وحروب شيطانية لا تهدأ تحاول أن تعترض طريقنا في الخدمة. وهناك أيضاً التكبر والأنانية وغيرها من العوائق والإغراءات. ويجب أن نعرف أيضاً أن هناك أشخاص كثر أعداء للنجاح يحاولون إفشال أعمالنا. لذلك يجب أن نتسلح بالصبر والثقة التامّة بالله وبأنفسنا حتى نستطيع أن نكمل مشوار خدمتنا بنجاح. وهنا يقول لنا القدّيس بولس في هذا المجال: "أننا خدم الله بثباتنا العظيم في الشدائد والمضايق والمشقات والجلد والسجن..." (٢كو٦: ٤-١٠).
الاستمراريّة، وهنا يقول لنا القدّيس بولس في رسالته الثانية إلى أهل كورنتس: "وأما وقد أعطينا تلك الخدمة رحمة، فلا تفتر همتنا" (٢كو٤: ١). ومن الضروري جداً أن ندرك أن الخدمة ليست مرتبطة بزمان أو مكان أو أشخاص معينين، بل الخدمة هي مسيرة تبدأ مع بداية خدمتنا وتنتهي مع انتهاء حياتنا على الأرض. ويجب أن ندرك أيضاً، أنه إن لم تستمر الخدمة فلن تحقق غايتها، فاستمرار الخدمة دليل على نجاحها وتكاملها.
الابتعاد عن الأضواء، فيجب أن ندرك أن الابتعاد عن الأضواء بإرادتنا يزيدنا تواضعاً. فيجب أن نكون جنوداً مجهولين، نعمل ونخدم دون تسليط الأضواء على خدمتنا، بل نشكر الله على هذه الخدمة التي أقامنا عليها. هذا ما يطلبه القدّيس بولس الرسول من تيموثاوس إذ يقول: "أشكر للمسيح يسوع ربنا الذي منحني القوة أنه عدني ثقة، فأقامني لخدمته" (١تيموثاوس١: ١٢).
تجنب الأساليب الخفيّة في الخدمة، والتي من الممكن أن تسبب التشكيك للآخرين، والعمل على إيصال كلمة الله لهم بأمانة. وهنا نذكر وصيّة القدّيس بولس في رسالته الثانية إلى أهل كورنتس: "بل نرفض الأساليب الخفيّة الشائنة، فلا نسلك طرق المكر ولا نزور كلمة الله، بل نُظهر الحق فنوصّي بأنفُسِنا لدى كل ضميرٍ إنساني أمام الله" (٢كو٤: ٢).
لا نطلب مكافأة لقاء خدمتنا، فخدمتنا هي كنز لنا في السماء. فيجب المحافظة على هذا الكنز ونحاول أن لا نفقده بسبب مكافآت أرضيّة أو عطايا ماديّة. فيجب أن نخدم دون مقابل "مجاناً أخذتم، مجاناً أعطوا" (مت١٠: ٨). فلا نحزن إن لم نحظى بشكر وتشجيع الآخرين، بل يجب أن نتذكر دائماً أن لنا كنز في السماء وأن الرب لا يُضيع تعب أحد. هذا ما يؤكده لنا يسوع المسيح في إنجيل يوحنا: "من أراد أن يخدمني فليتبعني وحيث أكون أنا يكون خادمي ومن خدمني أكرمه أبي" (يوحنا١٢: ٢٦).
أن يكون هدف خدمتنا هو البناء والتطور والنمو وليس التخريب والتراجع والتعقيد، فالخدمة التي لا تقدم الخير والفرح للآخرين هي خدمة غير ناجحة.
أن يكون لنا الإيمان الكامل بأن "العطاء أكثر غبطة من الأخذ" (أع٢٠: ٣٥)، وأن الإنسان المعطي هو أكثر غبطة، لتكون خدمتنا نابعة من قلبنا، وعن إيمان مطلق بها.