معلولا بعد التحرير، من يحرّر آراميتها؟
منقول عن موقع جهينة نيوز
منذ سنوات –وفي خطوة لم تكتمل- كان المعيار III، أحد المعايير التي سُجلت معلولا وفقها على اللائحة التوجيهية لليونسكو عام ١٩٩٩ ...
والمعيار المذكور هو أن تظهر قيمة التراث التقليدي الثقافي أو قيمة حضارة اندثرت أو مازالت حية...وكما نعرف فاللهجة المعلولية الآرامية تنتمي إلى اللغة الآرامية السورية الأم التي تكلّمها السوريون وكتبوا بها خلال آلافٍ من السنين، وقد تعددت خطوط الآرامية بلهجاتها فبلغت أربعة أشكال أساسية من أنماط الخط هي الحرف الآرامي السوري الأصلي الذي سُطرت به نقوش "هديسعي" و"آفس" و"زكور" و"تل حلف" و"الإله ملقرت" و"ملك دمشق" و"السْفيرة" وغيرها من النقوش العائدة إلى الألف الأولى ق.م، هذا بالإضافة إلى الخطوط السريانية "السطرنجيلية" و"النبطية" و"التدمرية"...وكل الخطوط المذكورة لها آثار في التركة السورية منها ما احتوته المتاحف السورية ومنها ما يُعرض في متاحف عالمية أشهرها متحف اللوفر.
ويجدر بالذكر أن أكثر لغة تستطيع التعبير عن الآرامية نطقاً وكتابةً ونحواً وصرفاً ومفردات –إلى جانب حروفها وقواعدها الأصلية- هي اللغة العربية، وهي اللغة الأكثر أهمية في مجال الدراسات اللغوية المقارنة الخاصة بالآرامية وأخواتها من كنعانية وأكادية وإبلائية وأوغاريتية...ولا تستطيع لغة أخرى –كالعبرية الحديثة واللاتينية- أن تعبّر عن الآرامية أو إحدى لهجاتها بالشكل الذي يحميها من الاندثار كلغة لا زالت مستمرة في سورية.
وفي الوقت الذي لجأت فيه المناهج الجامعية السورية إلى "العبرية" وحروفها لتدريس الآرامية وجل اللغات السورية القديمة نسجاً على منوال مستشرقين غربيين، استُكملت هذه الخطوة الخاطئة في معهد معلولا لتعليم اللغة الآرامية في السنوات ما بين ٢٠٠٥ و٢٠٠٩، ووُضع لهذا الغرض كتاب تعليمي –طُبع في مطابع جامعة دمشق- مستخدماً الحروف العبرية وحركاتها الحديثة لتعليم لهجة معلولا الآرامية...وقد أثار هذا الموضوع زوبعة من الجدل والنقاش العلميين وصلت أصداؤه وتفاصيله إلى وسائل الإعلام السورية، فكان العدد ٥٣ لعام ٢٠٠٩ من مجلة جهينة بمقالته التي حملت عنوان "الحروف العبرية تفتك بآرامية معلولا" كان القطرة التي أفاضت الكأس في الموضوع مما كان له الفضل في صدور قرار رئاسة مجلس الوزراء السوري رقم ٢٨١٥/و، تاريخ ٢٠٠٩/١٠/٢٧ والذي نص –بعد مداولات علمية رسمية- على إزالة الكتابات العبرية كافة من معلولا وإعادة النظر في منهاج معهد تعليم اللغة الآرامية في معلولا والكادر التعليمي والوظيفي فيه، بالإضافة إلى إعادة النظر في مناهج الجامعات السورية التي تستخدم الحرف العبري في عملية تدريس اللغات السورية القديمة...إلا أن البعض أصر بعد صدور هذا القرار على الاستمرار في المشروع الخاطئ، فشهد المعهد العالي للغات بجامعة دمشق دورة عام ٢٠١٤ بواسطة كادر معهد معلولا نفسه فاتّبعت الدورة نفس الأسلوب من خلال تعليم الآرامية بالعبرية، وفي الوقت الذي لم يُكتب فيه لهذه الدورة النجاح، استمرت المحاولة مجدداً في معهد معلولا بعد إجراء بعض الترميمات فيه، وانطلقت أولى الدورات في مطلع شهر آب ٢٠١٦ بنفس الأسلوب الخاطئ ونفس الأستاذ مؤلف الكتاب (الجامعي) المذكور بعد طباعة مئات النسخ الجديدة منه في مخالفة علمية لقرار مجلس الوزراء سالف الذكر...
وفضلاً عن وجود حوالي خمسة عشر طالباً في دورة المعهد المنطلقة في مطلع شهر آب ٢٠١٦، ثمة مساعٍ عاجلة لتدريب وتأهيل (أساتذة) جدد من أهالي البلدة ليقوموا فيما بعد بتدريس الطلبة والتلاميذ بنفس الأسلوب...!
وإنه إذ لا مجال الآن لذكر التفاصيل العلمية كافة، إلا أننا نلخّص الموضوع بأن كادر معهد معلولا لتعليم آراميتها والذي لم يُسجَّل فيه وجود أي مختص بالآرامية الأصلية أو تاريخها، والذي يخضع لإشراف محدود جداً من قبل جامعة دمشق، إنما يدّعي أن الحروف التي يقوم بتدريس الآرامية بها تحمل اسم "الآرامية المربعة"، الأمر غير الثابت علمياً وتاريخياً وغير ذي دليل أثري "إيبغرافي" على الأرض، وفضلاً عن ذلك فجامعة دمشق نفسها تسمي تلك الحروف بالعبرية، بالإضافة إلى أن كادر المعهد يستعين بالحركات العبرية الحديثة وقواعدها لتعليم نطق لهجة معلولا الآرامية، مما يعرّض تلك اللهجة لمخاطر لخّصها علماء "الفيلولوجيا" بالقول (إذا ما انتقلت قواعد لغة ما إلى لغة أخرى كان هذا الاقتباس نذيرًا بفناء اللغة المقتبِسة واندماجها في اللغة المقـتَبَسة)
وختاماً يبقى سؤال هذه المقالة مفتوحاً على جبهتين: معلولا بعد التحرير، من يحرّر آراميتها مما تتعرض له، ومن يحرّر تلك الآرامية بالخط الآرامي الصحيح؟