كيف يظهر يسوع المسيح في حياتنا
من خلال تعليم القديس بولس
الأب جان حنَّا
"٤ مَتَى اظْهِرَ الْمَسِيحُ حَيَاتُنَا، فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ انْتُمْ أيْضاً مَعَهُ فِي الْمَجْدِ. ٥ فَأَمِيتُوا أعْضَاءَكُمُ الَّتِي عَلَى الأَرْضِ: الزِّنَا، النَّجَاسَةَ، الْهَوَى، الشَّهْوَةَ الرَّدِيَّةَ، الطَّمَعَ الَّذِي هُوَ عِبَادَةُ الأَوْثَانِ، ٦ الأُمُورَ الَّتِي مِنْ اجْلِهَا يَأْتِي غَضَبُ اللهِ عَلَى أبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ، ٧ الَّذِينَ بَيْنَهُمْ انْتُمْ أيْضاً سَلَكْتُمْ قَبْلاً، حِينَ كُنْتُمْ تَعِيشُونَ فِيهَا. ٨ وَأَمَّا الآنَ فَاطْرَحُوا عَنْكُمْ انْتُمْ أيْضاً الْكُلَّ: الْغَضَبَ، السَّخَطَ، الْخُبْثَ، التَّجْدِيفَ، الْكَلاَمَ الْقَبِيحَ مِنْ أفْوَاهِكُمْ. ٩ لاَ تَكْذِبُوا بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ، إذْ خَلَعْتُمُ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ مَعَ أعْمَالِهِ، ١٠ وَلَبِسْتُمُ الْجَدِيدَ الَّذِي يَتَجَدَّدُ لِلْمَعْرِفَةِ حَسَبَ صُورَةِ خَالِقِهِ." (كو٣: ٤-١٠).
يقول لنا القدّيس بولس في رسالته إلى أهل كولسي: "مَتَى اظْهِرَ الْمَسِيحُ حَيَاتُنَا، فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ انْتُمْ أيْضاً مَعَهُ فِي الْمَجْدِ" (كو ٤:٣). والسؤال المطروح هنا هو كيف يظهر يسوع المسيح في حياتنا؟ وكيف نظهر نحن معه أيضًا بالمجد؟ والجواب على هذين السؤالين هو، من خلال أعمالنا التي نقوم بها في حياتنا.
يقول لنا القدّيس بولس: " أَمِيتُوا أعْضَاءَكُمُ الَّتِي عَلَى الأَرْضِ: الزِّنَا، النَّجَاسَةَ، الْهَوَى، الشَّهْوَةَ الرَّدِيَّئةَ..." (كو ٥:٣)، وهذا لا يعني أن نهلك أنفسنا (بالانتحار)، ولكن أن نموت ونتخلّى عن كلٍّ شهواتِ الجسد، التي تؤدي بنا إلى ارتكاب الخطيئة.
وبالإضافة إلى هذه الشهوات، يجب أن نبتعد عن الطمع الذي يقول عنه القدّيس بولس أنه عبادة وثن! لماذا عبادة وثن؟ لأنه يجعلنا نتمسّك بالمال ويجعلنا عبيدًا له. وقد قال لنا ربنا يسوع المسيح لا تستطيعوا أن تعبدوا ربّيْن الله والمال! (مت ٢٤:٦). فإما أن نحب الله تعالى ونعبده، وهنا يتوجب علينا تقديم البرهان، على محبتنا وعبادتنا هذه، والبرهان هو أعمالنا الصالحة التي نقوم بها في حياتنا. وأما أن نعبد المال، فنتمسّك به، ونجري وراءه في حياتنا.
والطمع أيضًا يقودنا إلى اشتهاءِ مال القريب، وهذه من الوصايا العشر المهمة في حياتنا، والتي عليها يجب أن نقوّم حياتنا "لا تشته مقتنى غيرك" (خر٢٠: ١٧).
ويتابع القدّيس بولس ليقول لنا: إن هذه الأعمال تجعلنا أبناءً للمعصيّة وتبعدنا عن الله تعالى، لا بل أكثر من ذلك تجلب علينا غضب الله (كو٣: ٦).
يقول القدّيس بولس: "أنتم سلكتم حينًا إذ كنتم عائشين فيها" (كو٣: ٧)، أي أنتم سلكتم في هذه الخطايا، ولكن الآن حان الوقت لكي تخلعوا الإنسان العتيق مع كل أعماله الزنى، والنجاسة، والهوى، والشهوة الرديئة...، وآن الأوان لأن تتوبوا عن خطاياكم. وهذا ما دعا إليه القدِّيس النبي يوحنّا المعمدان إذ كان يقول: "توبوا فقد اقترب ملكوت الله" (مت٣: ٢)، صحيح أنك عشت في الخطيئة، ولكن آن الأوان لأن تخلع عنك ذلك الإنسان العتيق، وتلبس الإنسان الجديد، آن الأوان لأن تتوب عن خطاياك وتعود ابنًا محبوبًا لله المحبّ، آن الأوان لأن تتخلص من عبوديَّتك للخطيئة. لا تخف! أن تقوم وتعترف بخطاياك وتتصالح مع الله القدّوس.
هذا ما أراده يسوع أن يوصله إلينا أيضًا من خلال إنجيل المدعوّون إلى العشاء (لوقا١٤: ١٦-٢٤). الذي هو مثل من أمثال الملكوت، عندما أمر ربّ البيت عبيده أن يخرجوا سريعًا إلى الشوارع ويدخلوا جميع المساكين والجدَّع، والعميان، والصرع إلى الوليّمة، هؤلاء المساكين والجدع والعميان والعرج، هم نحن الذين نعيش في الخطيئة والمعصيّة، والله يدعونا اليوم لكي نتوب عن خطايانا، حتى نستطيع أن ندخلَ لنشارك في الوليمةِ الإلهيّة.
وهذا ما تدعونا إليه الكنيسة المقدَّسة أيضاً، تدعونا لنتخلص من خطايانا، وأن نتوب عنها ونعترف بها، حتى نستطيع أن نولد من جديد مع يسوع، ونستطيع أن نلبس الإنسان الجديد المخلوق على صورة الله ومثاله.
ولكن ما السبيل للبلوغ إلى هذه؟
الجواب هو من خلال ثلاث نقاط: ١- التواضع، ٢- المحبَّة، ٣- التوبة.
التواضع: الذي يجعلنا نقبل الآخر في حياتنا، والأهم من ذلك، يجعلنا نقبل مشيئة الله ونعمل بها.
المحبَّة: التي هي ثمرة التواضع، والتي تجعلنا نقبل الآخر في حياتنا ونهتم به.
التوبة: التي هي ثمرة التواضع والمحبَّة. محبتي لله تعالى، واكتشافي لرحمة الله العظيمة والواسعة، ومحبَّته الكبيرة هي التي تجعلني أتوب عن خطاياي وأتصالح مع الله.
كل هذه نحصل عليها بالصلاة، هذا ما أكده لنا ربنا يسوع المسيح إذ قال لنا: "اسهروا وصلوا..."، و"صلوا لألا تقعوا في تجربة..."، وقال أيضًا: "هذا الجنس لا يخرج إلا بالصوم والصلاة..."، أي جنس الخطيئة والشرّ، لا نستطيع أن نتخلّص منهم إلا بالصوم والصلاة والإماتات التي نقوم بها في حياتنا.
هذا هو السبيل الوحيد الذي من خلاله يظهر يسوع المسيح في حياتنا، ونظهر نحن معه أيضاً بالمجد. هذا هو السبيل الوحيد للتخلص من خطايانا، وهذا هو السبيل الوحيد الذي من خلاله نستطيع أن نخلع عنا الإنسان العتيق الذي أفسدته شهوات الغرور، ونلبس الإنسان الجديد المخلوق على صورة الله ومثاله، وهذا هو السبيل الوحيد الذي من خلاله نستطيع أن ندخل إلى فرح ربنا ونشارك في الوليمة السماويّة، وهذا هو السبيل الوحيد الذي يخوِّلنا للعيش مع الله المحبّ في الحياة الأبديّة، بنعمة الله الآب والابن والروح القدس الإله الواحد. آمين